بين كشمير وبلوشستان.. هل تواجه باكستان تحديًا مزدوجًا؟

بين كشمير وبلوشستان.. هل تواجه باكستان تحديًا مزدوجًا؟

 

 

نور ملحم
في خضمّ التوترات السياسية والعسكرية المتزايدة بين الهند وباكستان، يبرز ملف بلوشستان بوصفه قضية محورية تعكس أزمة الهوية والصراع على الاستقلال في جنوب آسيا.
فبينما تشتعل أزمة كشمير مجددًا بعد الهجوم الدامي الذي وقع في وادي بيساران، تشهد باكستان اضطرابات داخلية، أبرزها رفض الشعب البلوشي للرموز الوطنية الباكستانية، مثل العلم والنشيد الوطني، وسط تزايد النزعة الاستقلالية.
لطالما كانت كشمير نقطة اشتعال بين الجارتين النوويتين، حيث تعود جذور الأزمة إلى تقسيم الهند البريطانية عام 1947. ورغم قرارات الأمم المتحدة التي دعت إلى وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير المصير، بقي النزاع متأججًا بسبب عدم تنفيذ هذه الحلول. التصعيد الأخير بين الهند وباكستان، والذي تضمن تلويح إسلام آباد بـ”عمل حربي”، وردّ نيودلهي بإغلاق مجالها الجوي ووقف التجارة، يضع المنطقة أمام احتمال اندلاع مواجهة عسكرية جديدة، رغم الردع النووي الذي يمنع حربًا شاملة.
في الوقت الذي تنشغل فيه باكستان بالخلافات الإقليمية، يشهد إقليم بلوشستان تصاعدًا في الدعوات للاستقلال، حيث يرفض السكان البلوش رفع العلم الباكستاني، رافعين بدلاً منه علم بلوشستان الحرة، ما يعكس رغبتهم في التحرر من الهيمنة الباكستانية. الباحث عمران زيدون وصف هذا التحرك بأنه “رمز لطموحات الأمة البلوشية”، مشيرًا إلى أن بلوشستان تمرّ بمرحلة حرجة في نضالها من أجل الاستقلال والهوية.
يشعر البلوش بالغضب الشديد نتيجة السياسات القمعية التي تُمارس ضدهم، حيث تتهم الحكومة الباكستانية بشن حملات اعتقال تعسفي وتصفية معارضين في الإقليم. كما يُتهم الجيش الباكستاني بارتكاب انتهاكات جسيمة، الأمر الذي أدى إلى ازدياد مشاعر الغضب والسعي نحو الانفصال.
كما أن المحاولات الإعلامية لإظهار الولاء البلوشي للحكومة الباكستانية تبدو غير مقنعة، إذ انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تزعم أن السكان المحليين احتفلوا بيوم باكستان في 23 مارس، لكن سرعان ما نُفيت هذه الادعاءات، حيث أكد العديد من سكان الإقليم أن الحشود الظاهرة كانت لجنود يرتدون ملابس مدنية، في محاولة لخلق صورة زائفة عن الواقع.
يُعدّ إقليم بلوشستان أكبر الأقاليم الباكستانية من حيث المساحة، حيث يشكّل 43.6% من إجمالي الأراضي الباكستانية، لكنه الأقل كثافة سكانية. ويتميز الإقليم بجغرافية صعبة، جعلته مرتعًا لعصابات التهريب والجماعات المسلحة. ويُعرف المثلث الحدودي الذي يلتقي فيه بلوشستان مع أفغانستان وإيران بالمثلث الذهبي للتهريب، نظرًا لنشاط العصابات فيه. كما يضم الإقليم جماعات بلوشية قومية وإسلامية تسعى للحصول على حقوقها، سواء في باكستان أو إيران.
إضافة إلى ذلك، تُعدّ بلوشستان نقطة استراتيجية نظرًا لموقعها الحيوي على المحيط الهندي، حيث تشكّل ميناء جوادر، الذي تديره الصين، أحد أهم الموانئ التجارية في المنطقة. ومن هنا، فإن أي اضطرابات في الإقليم ستنعكس على المصالح الإقليمية والدولية، خاصة مع تزايد التنافس بين الصين والولايات المتحدة في المحيط الهندي والهادئ.
في ظلّ هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن الشعب البلوشي من تحقيق استقلاله؟ رغم تصاعد النزعة القومية، فإن بلوشستان تواجه تحديات كبيرة، أبرزها نقص الدعم الدولي وتكثيف الضغوط العسكرية الباكستانية ورغم ذلك، فإن التحركات الشعبية المستمرة تعكس إصرار السكان على انتزاع حقوقهم، مما يجعل مستقبل الإقليم مفتوحًا على احتمالات عديدة، قد تشمل إما تصعيدًا أكبر، أو تحولات دبلوماسية تفضي إلى حلول وسط.
كاتبة سورية