البعث فكر وحدوي ونهضوي لا يموت.. وتجربة تحتاج كما غيرها الى مراجعة نقدية جريئة

شبكة تواصل الإخبارية تقدم لكم خبر
معن بشور
تحمل الذكرى الثامنة والسبعون لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق في السابع من نيسان عام 1947 ليتحول الى حزب ممتد في كل أرجاء الوطن العربي، لا سيّما في العراق، دعوة الى مناضلي هذا الحزب الموزعين في كل أرجاء الوطن العربي وخارجه وداخل تنظيمات الحزب وخارجها، مدعوون اليوم لإجراء مراجعة نقدية جريئة وشاملة تحتاجها كل احزابنا وتياراتنا، خصوصاً ان تجربة البعث تجربة انشغلت بها، بايجابياتها وسلبياتها، الامة لعدة عقود، لا سيّما في قطرين حكمهما بعثيون في بغداد ودمشق.
ـ أول عناوين هذه التجربة هو الادراك أن البعث فكر سياسي وحدوي نهضوي قام على مبادئ لا مصالح وبالتالي لا يمكن ان يموت لا باجتثاثه ولا بحلّه، ولا حتى بانقسامات داخلية وصراعات لعبت دوراً كبيراً في اضعافه، بل هو كحركة تاريخية كانت الامة تعوّل كثيراً عليها.
ـ ثانياً: ان البعث تجربة نضالية كبيرة قبل وصولها للسلطة ، وتجربة متعددة الابعاد بعد وصول بعض فروعها للسلطة في البلدين المتجاورين.
واي تقييم لهذه التجربة يجب ان لا يحصر نظرته للبعث بالجانب السياسي والتجربة العملية ، بل ايضا بالتعرف الى الأفكار الرئيسية التي اطلقها البعث والتي ما زال كثير من النهضويين في الامة متأثرين بها، وهي الربط بين الوحدة والحرية والاشتراكية من جهة، وادراك العلاقة العميقة بين العروبة والإسلام، ومركزية القضية الفلسطينية وأهمية الكفاح المسلح والمقاومة كطريق لتحريرها، وكلها أفكار لم تعد ملك البعثيين وحدهم.
اما الجانب السياسي والمتمثل تحديداً بتجربة البعث في الحكم في بلدين مهمين ، وهما العراق وسورية، فيجب ان ندرك ان للتجربتين ما لهما من إيجابيات ليس بالإمكان انكارها حتى من خصوم البعث، ولها من السلبيات ما لا يمكن تجاهله حتى من اشد المتحمسين للبعث من حزبيين ومناصرين، وهذان الجانبان، الإيجابي والسلبي ، يجب ان يكونا مدار بحث شفّاف ومتجرّد من البعثيين وغيرهم…
فالبعثيون مدعوون الى مراجعة نقدية دقيقة وشفافة وشاملة واعتراف بالاخطاء وإعلان الاستعداد للتخلي عن تكرارها والاعتذار الى من حصلت بحقهم اخطاء وخطايا. بل ومحاسبة المرتكبين…
كما ان غير البعثيين مدعوون الى اجراء مراجعة متجردة لتجربة البعث بعيداً عن المواقف المسبقة والشيطنة التي يقف وراء بعضها أعداء الامة لعداوتهم لفكر البعث الوحدوي نفسه قبل ان يكون مستهدفا للحزب وسلطته، فدارسو تجربة كتجربة البعث يمكن لهم ان يستخلصوا دروساً مهمة يمكن ان تستفيد منها كل قوى التحرر العربي والعالمي.
ـ ثالثا: ان اي مراجعة لتجربة البعث يجب ان تولي علاقته بالسلطة في دولتين تصرف فيهما البعث كحزب قائد بكل ما حمله هذا السلوك من اثار سلبية على الحزب نفسه والعلاقات الداخلية فيه ، كما على علاقته بالشعب والقوى والتيارات الاخرى…
ـ رابعاً: ان اي مراجعة لتجربة تتطلب اهتماماً بتطوير الجانب الفكري في الحزب بما لا يبعده عن اهدافه الاساسية ومنطلقاته الفكرية التأسيسية ،وبما يمكّنه من استيعاب التطورات الهامة التي مر بها الوطن العربي اولاً ، والعالم ثانياً ، خصوصاً في المجال الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي.
ـ خامساً: ان تهتم المراجعة المطلوبة بصياغة برامج سياسية على المستوى القطري وعلى المستوى القومي، بحيث تحدّد الاولويات على قاعدة تغليب التناقضات الرئيسية مع اعداء الامة عل التعارضات الثانوية داخل الساحات الاقليمية والقطرية والمحلية.
ـ سادساّ: ان تهتم المراجعة المطلوبة بدراسة علاقات البعث مع كافة قوى الامة وتياراتها على قاعدة اطلقها الامام الشيخ الامام رشيد رضا وهي “نتعاون فيما نتفق عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه…” ولدينا بالطبع قضية مركزيه هي فلسطين والمقاومة في سبيلها والتي يمكن لقوى عديدة في الامة ان تتعاون فيما بينها من اجلها بل ان ندخل الى نقاط الاختلاف من خلال مواقع التعاون بينها….
ـ سابعاً: ان البعث الذي وضع الحرية في رأس اهدافه الى جانب الوحدة العربية والاشتراكية وخاض معارك مشرفة ضد انظمة ديكتاتورية وقدم الشهداء فيها واستضافت سجون استبداد الانظمة التي سبقت وصوله الى السلطة الآلاف من مناضليها… مدعو اليوم ان يولي الحرية اهتماماً خاصاً في اي مراجعة يجريها لكي يحصّن نضاله الوطني والقومي والاجتماعي بمضمون ديمقراطي عميق ومتين ، لا اقصاء فيه ولا استبداد ولا تفرد… يزيل كل ملاحظات يأخذها كثيرون على تجربة البعث في السلطة .
في ضوء هذه المراجعة يمكن للبعث ان يمد يده ويفتح صفحة جديدة لكافة قوى التحرر والتقدم والمقاومة العروبية والاسلامية واليسارية والليبرالية الوطنية الملتزمة بالمشروع النهضوي العربي وبرنامج المقاومة من اجل استنهاض الامة في مواجهة كافة التحديات وعلى رأسها المشروع الصهيوني – الاستعماري المتوحش الذي نشهد اليوم اثاره الدموية المدمرة في غزة وعموم فلسطين كما في لبنان واليمن وسورية وسائر اقطار الامة …
في هذا الاطار اسمحوا لي ان استعيد طرح ما اسميته “برباعية الخلاص” التي كانت محور كلمتي في الدورة الرابعة عشرة للمؤتمر القومي العربي الذي انعقد في صنعاء في حزيران – يونيو 2003 ( بعد اسابيع على الاحتلال الاميركي للعراق في نيسان- ابريل من العام نفسه) واثر انتخابي امينا عاما للمؤتمر الذي يشكل اطارا للتشاور والتحاور في قضايا الامة ثم دعوة اعضاء المؤتمر كل من موقعه الفكري او السياسي او الحزبي او النقابي او الاعلامي او الاجتماعي الى ترجمة مخرجات المؤتمر.
تقول رباعية الخلاص مقاومة، مراجعة، مصالحة، مشاركة.
كاتب لبناني