العدو الإسرائيلي والجيل الثاني من القرود

شبكة تواصل الإخبارية تقدم لكم خبر
د. فايز أبو شمالة
وضع الباحثون خمسة قرود في قفص، ثم علقوا في القفص قطفاً من الموز، وعلى الفور، انقضت القرود على الموز، ولكن الباحثين أعدوا مضخات مياه قوية، وراحوا يرشقون القرود بالماء، كلما حاولت القرود الاقتراب من قطف الموز، وهكذا، تكررت محاولات القرود للوصول إلى قطف الموز، وتكرر الرش العنيف بالمياه، حتى تبللت القرود، وتبهدلت من شدة المياه، فقعدت القرود في زاوية من القفص، تنظر إلى قطف الموز بشهوة وحسرة، بعد أن تولدت لديها قناعة بأن الاقتراب من قطف الموز يعني الهلاك، وأن ملامسة قطف الموز من المحرمات، والممنوعات، وأن قطف الموز هذا مسيّج بالبهدلة والإهانة والوجع وكل أصناف العذاب.
بعد عدة أيام أخرج العلماء أحد القرود الخمسة من أصحاب التجربة المريرة مع قطف الموز، وأدخلوا بدلاً منه قرداً آخر، لا تجربة له مع رش المياه والبهدلة، فكان أول شيء فعله القرد الجديد، أن قفز بسرعة إلى قطف الموز، وقبل أن يلامسه، انقضت عليه القرود الأربعة ذات التجربة المريرة مع قطف الموز، فضربته، وأوجعته، وأوصلت للقرد الجديد رسالتها، بأن قطف الموز هذا من المحرمات.
واصل العلماء التجربة، وأخرجوا من القفص قرداً آخر من أصحاب التجربة المباشرة من قطف الموز، وأدخلوا بدلاً منه قرداً آخر لا تجربة له بهذا الشأن، فكانت النتيجة أن أن انقضت القرود الثلاثة ذات التجربة مع رش المياه على القرد الجديد، لتمنعه من الاقتراب من قطف الموز، ولكن الجديد في الأمر، أن القرد الذي لم يشهد تجربة رش الماء، شارك القرود الثلاثة في الهجوم على القرد الجيد، ومنعه من ملامسة المحرمات.، وهذا هو الجيل الثاني من القرود، والذي لم يتوجع من تجربة رش المياه، ولكنه حفظ الدرس، وصار يدافع عن قطف الموز بشراسة أكثر عنفاً من بقية القرود.
وهكذا تم إخراج كل القرود التي شهدت تجربة رش المياه، وتم استبدالها بقرود لا تدري شيئاً عن التجربة، وكانت النتيجة أن الجيل الثاني من القرود، قد حفظ درس المحرمات، وطلب السلامة بالابتعاد عن قطف الموز، دون معرفة السبب، بل صار الجيل الثاني من القرود أكثر حرصاً على حماية قطف الموز، دون أن يدري لماذا؟
وهذا ما فعلته إسرائيل مع الشعوب العربية بشكل عام، ومع الشعب الفلسطيني بشكل خاص، لقد استخدمت الإرهاب العنيف مع العرب، حتى ولدت لديهم القناعة بأن الاقتراب من قطف الموز الإسرائيلي يعني العذاب والموت والجراح والحصار والجوع، لذلك نلاحظ أن الأنظمة العربية البعيدة عن إسرائيل، ولا ترتبط معها بحدود جغرافية، ولم يسيق لها الاشتباك مع إسرائيل، نراها الأشد حرصاً على التطبيع مع إسرائيل، وإقامة علاقات معها، والتقرب إليها لدرء خطرها، أو الانتفاع منها، مثلها مثل بقية الأنظمة التي شهدت التجربة الأولى، وكان لها معارك عسكرية مع الإسرائيليين، فصارت جميع الأنظمة تهاب البطش الإسرائيلي، وتخشى جبروت الوحش الذي ينقض على الفرائس، فإن لم يأكلها، يبقر بطونها، ويتركها طعاماً للثعالب.
وبهدف تحطيم نظرية الردع، وفائض العنف، جاءت معركة طوفان الأقصى، التي مزقت قطف الموز الإسرائيلي بعصا الإعداد والتخطيط الجريء والشجاع، وأخذت الكثير من أصابع الموز أسرى إلى داخل غزة، لتضع حداً للخوف والفزع والرعب الذي انتقل من جيل عربي إلى جيل فلسطيني؛ بأن الأمن الإسرائيلي من المحرمات، ومن الممنوعات، وأن الاقتراب من السياج الإسرائيلي لا يعني إلا القصف والموت والدمار، وهذه رسالة العدو الذي تعمد أن يوصلها إلى المنطقة، من خلال مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، ومقولة الأذرع الطويلة للجيش الإسرائيلي التي قصفت العرب والمسلمين في العراق وسوريا وإيران ومصر والسودان وتونس واليمن، وحتى أوغندا وسط إفريقيا، ومقولة جهاز الموساد الإسرائيلي الجبار، والذي يعرف لون سراويل حكام العرب، ويعرف موعد نومهم، وكيفية قضاء حاجاتهم.
معركة طوفان الأقصى كسرت عنجهية الجيش الإسرائيلي، وفاجأت أجهزة المخابرات الإسرائيلية العامة، واستخفت بالموساد الإسرائيلي وبكل أركان الدولة العبرية ومؤسساتها العسكرية والأمنية، واحتقرت نظرية الجيش الذي لا يقهر، وبدلت المفاهيم التي زرعتها إسرائيل في رأس الجيل الثاني من الأمة العربية عن الحصانة الإسرائيلية، والمنعة الاستراتيجية، وهذا الذي أوجع إسرائيل، وفرض عليها الاعتراف بانها تخوض حرب وجود، فقد سقطت نظرية التأسيس، وانهارت الفكرة التي قامت عليها الدولة، وتبدد الوهم الذي سيطر على عقول القيادات العسكرية والسياسية العربية بأن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية خارقة القدرات، وصانعة المعجزات، ومفجرة المفاجآت.
معركة طوفان الأقصى لم تنته، ولن تنتهي، حتى ولو توقف إطلاق النار، وحتى لو مسح الصهاينة غزة عن الوجود، معركة طوفان الأقصى نظرية فكرية وسياسية، وخطوة إعجازية، رسمت معالم مرحلة قادمة من الصراع بين العرب أصحاب الحق، وبين الصهاينة أصحاب نظرية الأجيال المتعاقبة من قرود الشرق.
كاتب فلسطيني مقيم في غزة