هل تحوّل الدعاء إلى مخدّر للشعوب؟

هل تحوّل الدعاء إلى مخدّر للشعوب؟

شبكة تواصل الإخبارية تقدم لكم خبر

 

د. بسام روبين

لست اليوم بصدد الإنتقاص من قيمة الدعاء فهو من العبادات التي تربط الإنسان بخالقه، خاصة في زمنٍ تتقاطع فيه خيبات الواقع مع آمال الغيب ، وقد ساهم طوفان الأقصى في كشف حقيقة مؤلمه، مع تحوّل الدعاء في عالمنا العربي والإسلامي إلى أفيون نخدّر به ضمائرنا ونعطّل به عقولنا، بعدما كان في الزمن الجميل امتدادًا للعمل ورافعة للصبر.

أما اليوم، فقد بدأ يتحوّل عند الكثيرين إلى بديل عن العمل والواجب، بل وحتى عن الفريضة، وأصبح ذريعة للكسل

والإستسلام، فنرى شعوبًا عربية وإسلامية تُباد وتُقتل، ويمارس القتل والإجرام   والتجويع ضد أطفال غزه وتقتصر ردود أفعالنا على عبارات مثل: “حسبنا الله”، “الله يفرجها”، “الله المستعان”، وعلى الرغم من عظمة هذه الكلمات في ميزان الإيمان الصحيح، إلا أن إستخدامها في سياق حرب الإبادة الغير مسبوقة على غزة أصبح تبريرًا غير مقنع، يُظهر عجزنا عن المواجهة وهروبنا من المسؤولية، ويتناقض مع مفهوم الإيمان الحقيقي، مما سهل مهمة

  المتطرفين الصهاينة فنجحوا في دفعنا إلى هامش التاريخ، والإكتفاء بإجتراره على أمل معجزة لا تأتي، ونتمسك بالدعاء دون بذل أي جهد، مما جسد  مشهدا مؤلما من التواكل المعيب الذي لا يصنع أمة ولا يبني تاريخًا بل أفقدنا كرامتنا . ويقع جزء من هذا  الذنب العظيم  على بعض الوعاظ والساسة، الذين روّجوا لنا ثقافة الدعاء كبديل عن الفعل ، وهندسوا عقول الشعوب لتُسلّم بالأمر الواقع وكأنه قدر لا يُرد، ومصيبة لا ينفع معها إلا ذلك الذكر والدعاء الذي

تحوّل على المنابر إلى وسيلة لتهدئة السخط الشعبي وتخدير الوجدان، وإقناع الناس بأن في الصمت أجرًا وعبادة، وكأن هذا هو طريق إسترجاع الحقوق ومنع المتطرفين من إرتكاب جرائم الإبادة وهدم المسجد الأقصى.

وما أحوجنا اليوم، بعد أن بلغنا هذا الحال الرديء، إلى أن نُميّز بين الدين والتديّن المعلّب، وبين الإيمان الحقيقي

، حتى ان الدعاء بعد طوفان الأقصى ومع شراسة جرائم الإحتلال والتجويع وقتل الاطفال وهدم المستشفيات ، يصرخ ويستنجد بنا لتحريره من السجن الذي وضعناه فيه، ليعود دعاءًا نابضًا بالعمل، ومتأثرًا بما يجري أمام أعيننا، لا خانعًا ولا مبرّرًا للخذلان والإستسلام والإنصياع للخونة والعملاء.

فالسماء لا تُمطر ذهبًا ولا نصرًا ولا عدلًا، بل تحتاج إلى بذور من الصدق والعمل والعدل والجهاد على الأرض ، وعندما وعد الله سبحانه وتعالى المستضعفين بالنصر، لم يطلب منهم أن يكتفوا برفع الأكف، بل أمرهم بالنهوض والسعي والجهاد.

 

حفظ الله أمتنا العربية والإسلامية، وأعاد لها مجدها.

 

عميد اردني متقاعد