ضياء اسكندر: سكاكين المخطط: سوريا خارج التاريخ

ضياء اسكندر: سكاكين المخطط: سوريا خارج التاريخ

شبكة تواصل الإخبارية تقدم لكم خبر

 

 

ضياء اسكندر

كأن الزمن توقّف هناك… لا ليمنح سوريا فرصة لتتنفّس، بل ليغرس سكاكينه في خاصرتها بكل بطءٍ مُتعمَّد.
في الأروقة الباردة للعواصم الكبرى، تُنقش مصائر الأوطان على ورق فاخر، بينما يُجفَّف دماء أهلها على رصيف النسيان.
سوريا، التي كانت ذات يومٍ قلب الشرق، أصبحت مشروعاً مؤجلاً في أدراج صُنّاع الخرائط، ضائعة بين فوضى الشعارات ومقصلة المصالح.
القرار؟ ليس في دمشق. ولا في إدلب.
بل في مكانٍ آخر، ما بين واشنطن وتل أبيب وأنقرة.
أما الهوية، فتُقطَّع بهدوء، كما تُقطَّع الأوطان حين يغيب أبناؤها عن طاولة القرار، وحين تُستبدَل أحلامهم بخططٍ جافة لا تعرف طعم التراب ولا دموع الأمهات.
بين فصائل متناحرة لا يجمعها سوى الخلاف، وسلطةٍ مرهقةٍ لا تملك من أمرها إلا الخطاب.
تُدار البلاد كما تُدار أزمة طارئة في نشرة أخبار: ببرودٍ وقلة اكتراث.
الخطط تُطبخ على نارٍ هادئة.
اتفاقاتٌ مُعلّبة، يُعاد تغليفها كل فترة باسم جديد: “إعادة إعمار”، “حل سياسي”، “تسوية شاملة”..
لكن المضمون واحد: وطن يُعاد تشكيله دون إذن أهله.
في الكواليس، تهمس أوراق الخطة:

تطبيع هادئ مع إسرائيل.

توطين “إنساني” لسكان غزة داخل العمق السوري.

لا عودة للجولان، ولا حتى ذكرها.

لا مركزية قد تتحوّل إلى فيدرالية (وهذا مطلب حق) ثم؟ إلى تقسيم ناعم. (وهو الهدف المقصود)

إزاحة تدريجية وسريعة للنفوذ الإيراني والروسي، واستبداله بشراكات غرب – عربية.

“وجه مقبول” لمرحلة انتقالية، قد يحمل اسم “أحمد الشرع”… أو أي اسم لا يثير حساسية الفاعلين.

الجوائز:

اعتراف دولي.

رفع للعقوبات.

بعض القروض، وربما مؤتمر “مانحين”.

لكن الثمن؟
نسيان… نسيانٌ رسمي لملفات الدم، لسنوات الاعتقال، للمنافي، للبيوت التي صارت خرائب، وللأحلام التي صارت رماداً.
أما المعارضة، فهي شتاتٌ يعاني من فائض الخطابات ونقص الأفعال.
يتحدثون كثيراً، لكنهم لا يسمعون بعضهم.
كمن يشاهد وطنه يُسلَب، وهو مختلفٌ على ترتيب الكراسي في صالة الانتظار.
وحده الشعب بقي وحيداً.
يتفرّج على مصيره وهو يُكتب بيد الآخرين، ويُدار فوق رأسه، ويُقَصُّ عليه كأنه مشهد من مسلسل لا يمكن تغيير نهايته.
لكن… هل هذه النهاية فعلاً؟
هل تُسلِّم سوريا رقبتها للسكاكين دون مقاومة؟
هل نُقنِع أنفسنا بأننا خارج التاريخ، فنصبح كذلك فعلاً؟
الوقت ليس في صالحنا.
والمخطط، مهما بدا بعيداً، يقترب.
المعادلة لا تحتمل الحياد:
إما استنهاض وطني، يتجاوز الصغائر ويُعيد الكلمة للسوريين.
أو بقاءٌ في دور الكومبارس، على خشبة مسرحٍ لم نكتبه، ولم نختر مخرجه، ولا نعرف نهاية المشهد.
الزمن لا ينتظر.
والخيارات تتآكل.
فهل نعيد كتابة مصيرنا بأيدينا؟
أم نتركه يُسجَّل بأقلام لا تعرفنا.. ولا تُشبهنا؟
الوقت يمر، والساعة تدق…
إما أن نصحو، أو نُطوى في الهامش، كأننا لم نكن.
كاتب سوري