جدل بشأن فتوى عن “وجوب الجهاد بالسلاح ضد الاحتلال في فلسطين”

شبكة تواصل الإخبارية تقدم لكم خبر
إسطنبول / الأناضول
فتحت فتوى من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشأن “وجوب الجهاد بالسلاح ضد الاحتلال في فلسطين”، الباب أمام جدل في أوساط عربية مع رفض دار الإفتاء المصرية ما سمتها “مغامرات غير محسوبة تقود لفوضى وإفساد في الأرض”.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية بغزة خلّفت أكثر من 166 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وتحاصر إسرائيل غزة للعام الـ18، وبات نحو 1.5 مليون من مواطنيها البالغ عددهم قرابة 2.4 مليون فلسطيني، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، ودخل القطاع مرحلة المجاعة جراء إغلاق تل أبيب المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.
** الفتوى
بداية الجدل كانت أواخر شهر رمضان المنصرم، عندما أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (غير حكومي) فتوى عبر لجنة الاجتهاد تنادي بـ”وجوب الجهاد بالسلاح ضد الاحتلال في فلسطين”.
وأعاد رئيس الاتحاد علي القره داغي، في منشور يوم 4 أبريل/ نيسان الجاري، نقل الفتوى مشيرا إلى أنها صدرت بسبب “استمرار العدوان على غزة ونقض الهدنة” السارية منذ 19 يناير/ كانون الثاني وانهارت في 18 مارس/ آذار بعد انتهاء أولى مراحلها ورفض إسرائيل بدء تنفيذ المرحلة الثانية التي تقود لوقف دائم للحرب.
وتضمنت الفتوى بنودا أهمها بحسب القره داغي، “وجوب الجهاد بالسلاح ضد الاحتلال في فلسطين على كل مسلم مستطيع في العالم الإسلامي، ووجوب التدخل العسكري الفوري من الدول العربية والإسلامية، ووجوب حصار العدو الصهيوني المحتل براً وبحراً وجواً، بما في ذلك الممرات المائية والمضايق وسائر الأجواء في الدول العربية والإسلامية”.
كما تشمل الفتوى اعتبار “إمداد المقاومة عسكرياً ومالياً وسياسياً وحقوقياً واجبا شرعي”، وتنادي بـ”إنشاء حلف عسكري إسلامي لحماية الأمة وردع المعتدين، وهو واجب شرعاً بشكل عاجل”.
فضلا عن “تحريم التطبيع مع العدو الصهيوني، وتحريم الإمداد بالبترول والغاز للكيان الصهيوني، وإعادة النظر في معاهدات السلام التي أبرمتها بعض الدول العربية مع الكيان المحتل”.
** تفنيد الفتوى
وفي 7 أبريل الجاري، أصدر مفتي مصر نظير عياد، بيانا بالرفض مشفوعا بـ 7 بنود نشره عبر حسابه الرسمي بمنصة إكس، أفاد خلاله بأن “دار الإفتاء المصرية اطلعت على ما صدر مؤخرًا من دعوات تدعو إلى وجوب الجهاد المسلح على كل مسلم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتطالب الدول الإسلامية بتدخل عسكري فوري وفرض حصار مضاد”.
وأكدت دار الإفتاء المصرية في البند الأول أن “الجهاد مفهوم شرعي دقيق، له شروط وأركان ومقاصد واضحة ومحددة شرعا، وليس من حق جهة أو جماعة بعينها أن تتصدر للإفتاء في هذه الأمور الدقيقة والحساسة بما يخالف قواعد الشريعة ومقاصدها العليا، ويعرِّض أمن المجتمعات واستقرار الدول الإسلامية للخطر”.
وشددت في البند الثاني على أن “دعم الشعب الفلسطيني في حقوقه المشروعة – واجب شرعي وإنساني وأخلاقي، لكن بشرط أن يكون الدعم في إطار ما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني، وليس لخدمة أجندات معينة أو مغامرات غير محسوبة العواقب، تجرُّ مزيدا من الخراب والتهجير والكوارث على الفلسطينيين أنفسهم”.
وأوضحت في البند الثالث أنه “من قواعد الشريعة الإسلامية الغرَّاء أن إعلان الجهاد واتخاذ قرار الحرب والقتال لا يكون إلا تحت راية، ويتحقق هذا في عصرنا من خلال الدولة الشرعية والقيادة السياسية، وليس عبر بيانات صادرة عن كيانات أو اتحادات لا تمتلك أي سلطة شرعية، ولا تمثل المسلمين شرعًا ولا واقعًا، وأي تحريض للأفراد على مخالفة دولهم والخروج على قرارات ولي الأمر يُعدُّ دعوة إلى الفوضى والاضطراب والإفساد في الأرض، وهو ما نهى عنه الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم”.
وترى دار الإفتاء في البند الرابع أن “الدعوة إلى الجهاد دون مراعاة لقدرات الأمة وواقعها السياسي والعسكري والاقتصادي – هي دعوة غير مسؤولة وتخالف المبادئ الشرعية التي تأمر بالأخذ بالأسباب ومراعاة المآلات، فالشريعة الإسلامية تحث على تقدير المصالح والمفاسد، وتحذر من القرارات المتسرعة التي لا تراعي المصلحة العامة، بل قد تؤدي إلى مضاعفة الضرر على الأمة والمجتمع”.
وفي البندين الخامس والسادس، أكدت الدار أنه “من قواعد الشرع أن من يدعو إلى الجهاد يجب عليه أولًا أن يتقدم الصفوف بنفسه، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات بدلا من استثارة العواطف والمشاعر، تاركين غيرهم يواجهون العواقب”.
ولفتت إلى أنه “من الحكمة والمقاصد الشرعية أن تتجه جهود الأمة الإسلامية نحو العمل الجاد من أجل إيقاف التصعيد ومنع التهجير، بدلا من الدفع نحو مغامرات غير محسوبة تُعمِّق الأزمة وتزيد من مأساة الفلسطينيين”.
كما انتقد الفتوى الشيخ السلفي المصري ياسر برهامي، في مقطع فيديو عبر حسابه بفيسبوك في 6 أبريل، وقال إن “أهل غزة قرروا الدخول في الحرب منفردين، وكان لا بد أن يكونوا مشاورين للدول المسلمة التي يمكن أن تعاونهم، لكنهم ما طلبوا ولا أخبروا غير إيران”، على حد تعبيره.
وأضاف: “إذا أردنا الدخول في الحرب فلا بد أن نعلم إسرائيل بإلغاء معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل) ونكون على قدر ذلك، أي نكون مستعدين للحرب، وليس حرب إسرائيل وحدها، ولكنها حرب أيضا أمريكا ودول الغرب الأخرى التي تقف إلى جوار اسرائيل”.
وتابع: “لا بد أن نكون على قدر مقاومة هذه الدول ولو على النصف منها، ولا أحد يقول إن لا شيء سيتغير، لا، الموازين تتغير بأمر الله”.
** أصداء الفتوى
ولاقت الفتوى انتشارا في أكثر من وسيلة إعلامية عربية، منها المركز الفلسطيني للإعلام، فيما تعرضت للرفض من قبل عديد من الناشطين والإعلاميين.
ورفض الفتوى بشدة الإعلامي المصري أحمد موسى، في منشور عبر حسابه بفيسبوك في 5 أبريل، داعيا إلى عدم “الانخداع بها”، ومؤكدا “عدم اعترافه بالاتحاد”.
بيان مفتي مصر أيضا لقي صدى في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قال الناشط عبد الهادي الشهيري عبر حسابه بمنصة إكس، إن “بيان مفتي مصر وضح مسألة الجهاد الذي نادت به بعض الأصوات والجهات غير الرسمية، وطالبهم بتقدم الصفوف بدلاً من تحريض شباب الأمة وإرسالهم إلى المهلكة”.
وأيده المحامي محمد إبراهيم البستكي، معتبرا أن “بيان مفتي مصر حكيم وموزون”.
على الجهة الأخرى، قال الناشط خالد الصافي، إنه “بعد قراءة بيان دار الإفتاء المصرية بتأنٍ، نجد أنه بحاجة إلى تفكيك علمي وشرعي وردٍ واضح بالدليل والنقل والعقل”.
وأوضح أنه “لا يختلف اثنان أن للجهاد شروطًا شرعية وضوابط، لكن هذه الشروط لا تكون حجة لتعطيله عند توفر موجباته، بل تكون ضمانًا لشرعيته حين يُفعل”، لافتا إلى أن الحديث عن أنه “لا جهاد إلا تحت راية دولة شرعية من أكثر ما يُتخذ ذريعةً لتأجيل الجهاد”.
واستدرك: “لكن لننظر إلى هدي النبي ومن جاء بعده سرايا الجهاد في عهد الخلفاء كانت أحيانًا تطلق بقرارات محلية من ولاتهم والجهاد في الأندلس، وقبلها ضد التتار، وضد الصليبيين، كثير منه نشأ من مبادرات شعبية أو فصائلية، لا من جيوش نظامية”.
** إسرائيل تدخل على الخط
ولم تكن إسرائيل بعيدة عن هذا الجدل، إذ قال وزير الاتصالات السابق أيوب قرا، إن “تصريحات مفتي مصر ضد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يتخذ من قطر مقراً له، مباركة ومنطقية”.
واستدرك في تغريدة على منصة إكس، زاعما: “لكنها تكشف مرة أخرى كيف أصبحت قطر قاعدة ومأوى آمنا لقادة الإرهاب”.
ومطلع مارس/ آذار 2025، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل، بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي، وقد التزمت به الحركة الفلسطينية.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، تنصل من بدء مرحلته الثانية، واستأنف الإبادة الجماعية بغزة في 18 مارس، استجابة للجناح الأشد تطرفا في حكومته اليمينية، وفق إعلام عبري.
ومنذ استئنافها الإبادة الجماعية بغزة، قتلت إسرائيل ألفا و449 فلسطينيا، وأصابت 3 آلاف و647 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة بالقطاع الثلاثاء.