خطاب محمود عباس: تجريم الضحية وتبرأة المجرم

خطاب محمود عباس: تجريم الضحية وتبرأة المجرم

 

الدكتور الياس عاقلة
اجتمع المجلس المركزي الفلسطيني في 23 نيسان بعد 18 شهراً من الإبادة الإسرائيلية لفلسطينيي غزة لا لإدانة هذه المجازر وللمطالبة بوقف الحرب كما فعلت ولا تزال تفعل جميع شعوب العالم بل ليقوم الرئيس الفلسطيني – دكتاتور الـ 20 عاما – ليجرم الضحية الفلسطينية وليبرأ المجرم الكيان الصهيوني واصفاً مقاومة الاحتلال الشرعية بأوصاف نابية .
وصفُ عباس المقاومين الفلسطينيين بـ “أبناء الكلب” يظهر جهله أن الكلب أكثر إخلاصا لصاحبه من إخلاص عباس نفسه لشعبه ولوطنه . فالكلب لا يعض صاحبه بل يهاجم أعداءه مدافعاً عن صاحبه ، أما عباس فإنه يحارب شعبه قتلاً وسجناً وقمعاً خلال العشرين عاما الماضية منذ أن نصبته إسرائيل رئيسا للسلطة عام 2005 . ولنذكر على سبيل المثال حديثاً إرساله من يسميهم رجال الأمن ليقتلوا وليعتقلوا مقاومين في مخيم جنين الذين كانوا يدافعون عن بيوتهم ضد هجمات الجيش الإسرائيلي ، كما أنهم كانوا يفككون ويزيلون الألغام التي زرعها المقامون ضد جرافات ودبابات الاحتلال دفاعا عن بيوتهم . عباس شريك الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبه ولا يرتفع مستواه الوطني ولا الأخلاقي ولا الإنساني الى مستوى إخلاص الكلاب لأصحابها.
جميع أطياف المقاومة الفلسطينية وليس فقط حماس أعظم شرف لجميع الأمة العربية . إنهم خط الدفاع الأمامي لجميع الوطن العربي بجميع أطيافه وشعوبه ، لولا هذه المقاومة العظيمة لامتدت إسرائيل العظمى لتغطي أطراف الوطن العربي من العراق وسوريا الى مصر والسودان والى سواحل شبه الجزيرة العربية على البحر العربي جنوبا ليسترجعوا يثرب وخيبر وليحصِّلوا مليارات الدولارات من السعودية تعويضا على خسائرهم ، وما عليك إلا أن تستمع الى تصريحات حاخاماتهم وسياسييهم العلنية عن هذا الحلم .
إدعاء عباس الكاذب أن المقاومة الفلسطينية وخاصة اتخاذها أسرى صهيونيين تعطي إسرائيل ذرائع لارتكاب المجازر وحرب الإبادة في غزة لا تظهر فقط جهله بتاريخ إسرائيل الدموي بل تأتي أيضا تغطية وتبريراً للمجازر الإسرائيلية ضد الأطفال والنساء . فتاريخ إسرائيل الصهيونية مليء منذ بدايته عام 1947 بالمجازر ضد الفلسطينيين وتدمير مدنهم وتهجير أكثر من 950 ألف فلسطيني حسب إحصائيات عباس نفسه . نذكر مثالا – وليس حصرا – مجزرة دير ياسين ، مجزرة قرية أبو شوشه ، مجزرة قرية محسير، مجزرة الطنطورة ، مجزرة قبية ، مجزرة قلقيلية ، ومجزرة كفر قاسم ، مجازر الخليل ، ومجزرة صفد مولد عباس نفسه لتذكيره ، وغيرهم من المجازر في لبنان وفي مصر .
لقد وافقت حركة حماس على تسليم كل الأسرى الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذي اختطفتهم إسرائيل كرهائن من بيوتهم قبل اكتوبر بسنين . وقد حدث هذا خلال المرحلة الأولى من فترة وقف إطلاق النار ، ولكن إسرائيل رفضت الاستمرار بهذه العملية لتستعمل ذريعة الأسرى لاستمرار حرب الإبادة حتى القضاء على حماس وتفريغ غزة من الفلسطينيين لكي يبنوا فيها مستعمراتهم ولكي يبني فيها “ترامب” ريفييرا ولكي تستخرج الشركات الأميركية والإسرائيلية غاز ساحل غزة بالكامل.
إسرائيل ليست بحاجة الى ذرائع لترتكب المجازر ضد الفلسطينيين كما يفعل جيشها الآن في مدن ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية حيث لا حماس هناك . فبحسب إحصائيات عباس نفسه فإن هجمات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية منذ اكتوبر 2023 جاءت “على الحجر والشجر والبشر” فقد تم اعتقال 17000 رهينة فلسطينية من الضفة واستشهاد 1000 فلسطيني منهم 188 طفلاً وتدمير وحرق أكثر من 600 بيت وتهجير 21000 مواطن في مخيم جنين ، وتدمير وحرق أكثر من 2573 بيتاً وتهجير 24000 مواطن في مخيم طولكرم ، وتقطيع أوصال الضفة بـ 900 حاجز عسكري ، عدى عن سرطان الاستيطان واعتداءات عصابات المحتلين المستوطنين يوميا .  من المفروض أن تكون هذه المناطق تحت سلطة وحماية قوات أمن سلطة عباس التي بدل أن تحمي شعبها شاركت الجيش الإسرائيلي في مطاردة وقتل وسجن أفراد المقاومة الذين كانوا يدافعون عن عائلاتهم ومخيماتهم . ما هي الذرائع التي صنعها عباس لكي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي لهجومه على مخيمات ومدن الضفة ؟
لم يهدر عباس أي فرصة في خطابه لاتهام والتهجم على المقاومة الفلسطينية مستهدفاً حركة حماس بشكل خاص . فقد اتهم حماس بعمل إنقلاب عسكري على الحكم عام 2007 مما أدى الى انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية ، متناسياً أنه تم انتخاب حماس للرئاسة في انتخابات 2006 ، ولكي لا يخسر عباس الرئاسة دفع برئيس جهاز الأمن الفلسطيني آنذاك محمد دحلان للقيام بإنقلاب على حماس في غزة ولكنه لم ينجح إلا بفصل غزة عن الضفة.
كما أنه اتهم حماس بإعطاء ذرائع لإسرائيل لتشن ستة حروب على القطاع في الماضي متناسياً سياسة إسرائيل العسكرية المسماة  “جَّز العشب” تقوم حسبها بالهجوم على غزة من فترة الى أخرى لإضعاف قوة المقاومة . واتهم قيادة حماس بأنها كانت تسرق أموال التبرع لفلسطينيي غزة ، حينما كانت حماس تستغل هذه الأموال لإعادة بناء ما دمرته إسرائيل في اعتدائاتها على القطاع . بينما من الواضح أن عباس نفسه يسرق من أموال المقاصة ، الضرائب التي تجمعها إسرائيل من الفلسطينيين وتعطيها لسلطة عباس مقابل أجر لها، ويعطيها لولديه لاستثمارها في شركات محلية وخارجية ، ثم يتهم إسرائيل بسرقة ما مقداره ملياري دولار من هذه الأموال .
واتهم حماس بأنها لا تهتم بحياة القتلى الفلسطينيين – لم يسمهم شهداء – لأنها تعتبر هؤلاء القتلى “خسارة تكتيكية” ، وطالب الحركة  بالإفراج عن الرهائن (الأسرى) الإسرائيليين وتسليم سلاحها لكي لا يعطي بذلك إسرائيل ذرائع لتستمر في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين ، مُجَّرماً بذلك الضحية الفلسطينية ومبرراً إسرائيل المجرمة . لقد تناسى عباس أن إسرائيل قد اتخذت سكان قطاع غزة – أكثر من مليونين شخص – رهائن بشرية حجزتهم طوال 18 عاماً في أكبر سجن جماعي في تاريخ العالم كله . لقد حاولت المقاومة في غزة كسر هذا السجن الكبير واتخاذ أسرى إسرائيليين لتستبدلهم بأخوة لهم أسرى فلسطينيين قابعين في سجون الاحتلال لمدة تصل الى عشرين عاما . كما أن إسرائيل تهدد بالقضاء على جميع أفراد حماس – ولنتذكر أنهم يعتبرون كل مواطن بما في ذلك الاطفال والنساء من حماس – ويهددون ويتوعدون بتدمير غزة بالكامل وبتهجير كل سكانها حتى بعد استرجاع أسراهم . فكيف يعقل أن تسلم المقاومة الفلسطينية سلاحها . “مالك يا عباس كيف تحكم ، أفلا تعقل؟”
طالب عباس حركة فتح بتسليم سلاحها الى السلطة الوطنية إذ لا يجوز وجود سلاحين في أي دولة – أين هي هذه الدولة التي يتحدث عنها بينما فلسطين كلها تحت الإحتلال الإسرائيلي ؟-  وبالإشتراك مع السلطة كحزب سياسي فيما أسماه “المقاومة السياسية” – مصطلح جديد – لخلق مناخ وظروف ملائمة لإنهاء الاحتلال ولبناء مؤسسات للدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية عاصمةً أبدية .
لو أراد عباس فعلاً وحدةً فلسطينيةً تضم جميع الفصائل لنفذ “اتفاق بكين” الذين تم توقيعه في 23 يوليو 2024 من 14 فصيل فلسطيني ، بما في ذلك فتح وحماس ، كجزء من عملية المصالحة بين الطرفين لتحقيق وحدة فلسطينية وطنية شاملة تجمع جميع الفصائل الفلسطينية تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية ، للإلتزام بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وذلك بمساعدة مصر والجزائر والصين وروسيا ، ومشددين على حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وفقا للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة ، ومنع أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
ونتساءل هنا أين هي هذه الشرعية الدولية التي يتحدث عنها والتي ظلمت فلسطين منذ 1948 ولا تزال تظلم كل الشعب الفلسطيني حتى الآن حتى باعتراف عباس نفسه حين ادعى أن السلطة لم تترك دولة أو منظمة دولية أو إقليمية إلا وتواصلت معها لتحقيق الأوليات التي تحمي الشعب الفلسطيني ، ورغم ادعاءه أن السلطه حصلت على ألف قرار من هذه الجمعيات الدولية إلا أنه لم يتم تنفيذ قرار واحد منهم لأن هناك قوة عظمى – أسماها بأميركا الظالمة – ترفض ذلك ، وتعارض بشدة قبول أي تمثيل للسلطة الفلسطينية في جمعية الأمم المتحدة . فالإدارة الأميركية هي العدو الحقيقي للفلسطينيين بينما إسرائيل هي الأداة العسكرية لأميركا كما صرح الكثير من الرؤساء الأميركيين أن إسرائيل عبارة عن حاملة طائرات أميركية في منطقة الشرق الأوسط لتحمي المصالح الأميركية .
خطاب عباس يحمل معانٍ ضمنية خطيرة . إذ يلمح أن إسرائيل بالإشتراك مع أميركا لا يهتمان لأي من القرارات الدولية ولا الاتفاقات الدولية ولا الحقوق الإنسانية لأنهم الأقوياء في هذا العالم بينما بقية الدول ضعيفة لا حول ولا قوة لها أمام الغطرسة الأميركية . لذلك لم يستطع المجتمع الدولي أن ينفذ أيا من قراراته لمصلحة القضية الفلسطينية منذ 1948 الى الآن رغم كل المجازر الإسرائيلية وجريمة الإبادة في غزة التي تُعرض يوميا على شاشات التلفزيون والتي تطالب بإيقافها جميع شعوب العالم ، لأن العالم لا يصغ إلا لقانون القوة فقط . فالحل إذاَ هو الخضوع والتطبيع كما طبعت مصر والإمارات وغيرها وعلينا أن نتعلم درسا مما حصل في بقية الدول العربية الأخرى التي رفضت التطبيع مثل لبنان وسوريا وقبلهما العراق وليبيا .
ونهايةً علينا أن نعي ونتذكر أمرين ، الأول هو أن محمود عباس فلسطيني خائن متصهين تنازل أولاً عن حقة في بلده مسقط رأسه ، مدينة صفد ، وخان الرئيس ياسر عرفات ، وأفسد حركة فتح لتصبح أداةً إسرائيلية تقمع الفلسطينيين ، ولنتذكر أنه صرح مرارا وتكرارا وبشدة أن “التنسيق الأمني مع إسرائيل عمل مقدس ومقدس”
 والأمر الثاني والأهم أنه رغم تعرض الوطن العربي – خاصة فلسطين – الى مئات الحملات العسكرية الإستعمارية منذ عصور ما قبل التاريخ الى وقتنا الحاضر إلا أن كل هذه الحملات باءت بالفشل الذريع بسبب مقاومة وتضحيات شعوبها الباسلة من أجل العيش بحرية وبكرامة وشرف ورفض الذل والخنوع كما تفعل الآن جميع فصائل المقاومة الفلسطينية التي فتحت أعين جميع شعوب العالم وفضحت أكاذيب الصهيونية الأميركية ، وإن التحرير لقريب .
كاتب فلسطيني