سيف منور: مروية الأردن

سيف منور: مروية الأردن

 

سيف منور

يناقش بعض السياسيين المتقاعدين في الآونة الأخيرة ان الأردن لم يكتب تاريخه بعد، وان التعبير عن الشخصية الأردنية يتم دائما بخجل وخوف من ان تتهم بالعنصرية والإقليمية والاقصاء للأخر، ويدافع هؤلاء السياسيون عن احقية ان يبرز الأردن كوطن جميل وان يكون للأردني هويته الخاصة غير المختلطة مع الاخر، وان لا يخجل من ان يقدم نفسه كأردني فقط، وعلى الاخر ان يقدم نفسه على انه من اصل كذا وكذا، والحقيقة ان هؤلاء المسؤولين الكبار منهم من تقلد منصب رئاسة الوزراء في الأردن ومنهم من كان في الاعيان والنواب امضوا سني عملهم صامتين خجلين غير مدافعين عن الأردن يعاقبون من يحاول ان يبرز الشخصية الأردنية والهوية الوطنية، خوفا على مناصبهم التي يتقلدونها، وما ان تحط الرحال في خانة التقاعد ويحصل على المناصب والالقاب والأموال احدهم ويكنزها، يبدأ بمطالبة الناس بالتعبير عن ذواتهم الأردنية، هذا الانفصال عن الواقع واعلاء المنفعة الذاتية والحصول على المكاسب والصمت الطويل في الوظيفة العامة دون ان يقدم للأردن شيء او يعلي من شأنه او يثبت هويته لهو امر مخجل، لأنك أيها المسؤول لم تقم بما كان يجب ان تقوم به حق القيام، بل امضيت عمرك موظفا كبيرا فقط، تفتقد الإرادة والابداع، وتخشى من البوح بما يجيش في صدرك، وعندما يفوت الأوان بعد اكثر من مئة عام على تأسيس الدولة تعود لتطالب الناس ان يقوموا بما عجزت انت ومنصبك على القيام به، هذا العجز الواضح في تقديم مروية الأردن بقي يتقاذفه الجميع دون ان يتبناه احد، فكيف للشباب اليوم ان تعبر عن الهوية الأردنية والمروية الوطنية في ظل تعسف القوانين الخاصة بالمرئي والمسموع والجرائم الالكترونية ومقص الرقيب في الصحف والمواقع الإخبارية وكل التهديدات التي يتلاقها المواطن بان لا يقرب من الوحدة الوطنية والوحدة القومية والأصول والمنابت والهوية الأردنية، فلو كان في المسؤولين خيرا ممن سلفوا في المواقع القيادية في الدولة الأردنية وكانوا رجال مرحلة وليسوا رجال مناصب لما وصلت المروية الأردنية والشخصية الأردنية الى هذا الضياع في البوصلة والشكل والتوجه والمآل، فلا تطلبوا من الاخرين وهم لا يملكون شيء ما عجزتم انتم عن تحقيقه وانتم تملكون كل شيء.
ندوات وحلقات بحث تصب جل اهتمامها على ما آلت اليه حال الأردنيين وشخصيتهم الوطنية واعتزازهم ببلدهم وتاريخهم المشرف في هذه البقعة الجغرافية من الوطن العربي، منذ الممالك القديمة مملكة عمون ومملكة ادوم ومملكة مؤاب ومملكة الانباط، هذه الكيانات السياسية التي نادرا ما حظيت بها أي بقعة جغرافية في الوطن العربي كما حظيت بها ارض الأردن، ومع ذلك ما زال الكثيرون يعتقدون ان لا ارث للأردن، ولا تاريخ له، وكأنه نبتٌ في فراغ، دون ان يربط بهذا الإرث العظيم الذي كان يمتد منذ الالف الأولى قبل الميلاد وحتى يومنا هذا دون انقطاع. كما ربط المصريون تراثهم الحضاري اليوم بحضارة الفراعنة، لم نستطع للأسف بسبب من تولى المسؤولية الحكومية والتوجيه الوطني والاعلام من ربط هذا الوطن العظيم بإرثه الممتد عبر العصور، وعليه فان على المسؤولين الذين أصبحوا اليوم في بيوتهم ولم يصنعوا شيئا في تاريخ الأردن ان يكفوا من الصراخ بكاءً على تاريخ هذا البلد وان يتعظ منهم المسؤولون الحاليون ممن يقودون الدفة اليوم، عل وعسى ان يتعظوا من سابقيهم. فالأردن يحتاج الى قادة ومفكرين وأصحاب رأي حر لا موظفين برتب عليا، حمى الله الأردن وارثه وقيادته وشعبه من كل مكروه.
باحث سياسي وقانوني اردني
[email protected]