عباس علي مراد: أستراليا: لا أقلية ولا أكثرية.. بل مواطنون

عباس علي مراد: أستراليا: لا أقلية ولا أكثرية.. بل مواطنون

عباس علي مراد

في خضم الحملات الانتخابية الأسترالية، يطفو على السطح مجدداً نقاش قديم جديد: هل نحن مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، أم”أقليات” نُحاصر بين وصاية البعض وأوهام التمثيل؟
مقالنا اليوم، يضيء على محاولات مصادرة العمل السياسي الحر تحت غطاء الدين والهوية، ويؤكد أن الديمقراطية لا تكتمل إلا حين يُكفل لكل فرد حقه بالمشاركة، بعيداً عن تصنيفات الأكثرية والأقلية كما يأتي في سياق مزدوج: سياسي وديني، بينهما تتقاطع قضايا الديمقراطية، ومفاهيم المواطنة، والأقلية والأكثرية، كما يفهمها بعض القادة الذين نصّبوا أنفسهم ممثلين عن الجاليات دون انتخاب أو تفويض حقيقي، مستندين إلى دعم مصلحي من بعض السياسيين.
هؤلاء القادة يخلطون بين العمل السياسي والديني لتحقيق مكاسب خاصة، وأسّسوا مؤسسات وهمية تحمل أسماء براقة، وراحوا يظهرون على وسائل الإعلام العربية والإنجليزية كضيوف دائمين عند الطلب.
المناسبة التي تفتح هذا النقاش هي الانتخابات الأسترالية المقبلة، المقررة في الثالث من أيار/مايو القادم، وما يسبقها من حملات انتخابية يرافقها قدر من التخويف والتضليل، سعياً لكسب الرأي العام والوصول إلى السلطة.
مع الإشارة إلى أن حملات التخويف والتضليل تظل، ضمن حدود معينة، قانونية ومقبولة ما لم تمسّ أسس النظام الدستوري أو تتعارض مع القوانين المرعية.
في هذا الإطار، طالبت المرشحة المستقلة عن مقعد “وينتورث” في شرق سيدني، أليغرا سبندر، مفوضية الانتخابات الأسترالية بكشف كيفية تعاملها مع الشخص الذي وزع 47,000 منشور انتخابي غير قانوني شهّر بها، بعد أن أكدت المفوضية تحديد هوية الفاعل دون الإعلان عن اسمه أو توضيح ما إذا كان سيخضع للمحاكمة.
والجدير بالذكر أن ما يعتبر مباحًا في الحملات الانتخابية قد يُصنّف جريمة، حين يتعلق الأمر بتضليل المستهلكين وخداعهم في الأعمال التجارية.
يبدو أن بعض من يُسمون أنفسهم “قادة” لا يستوعبون أبجديات الديمقراطية، فيجتهدون بالتزلف والوصاية على خيارات الآخرين. نحن هنا لا نناقش خياراتهم السياسية، فمن حق كل فرد تأييد من يشاء أو معارضة من يشاء، كما أن حق الترشح وتأسيس الأحزاب السياسية مضمون ومكفول قانونياً، بما يشمل الأحزاب ذات الطابع الديني، رغم الطابع العلماني للدولة الأسترالية.
لقد فشلنا، في بلداننا الأصلية، في بناء دول تقوم على احترام المواطنة، بسبب سيطرة ذهنية الأقلية والأكثرية المبنية على أسس دينية وإثنية وقبلية، والتي استغلها الغرب وعمّقها، مستفيدًا من قابلية مجتمعاتنا لهذا الانقسام المميت.
واليوم، يبدو أن بعضنا يصرّ على استيراد هذه الذهنية الفاسدة إلى المهجر، فيتعامل مع نفسه كـ”أقلية” دينية أو إثنية، رغم تناقض ذلك مع المبادئ التي تقوم عليها دول مثل أستراليا.
كيف يمكن الجمع بين صيف وشتاء تحت سقف واحد؟
في مقابلة إعلامية مع أحد هؤلاء “القادة”، نسف هذا “الوجيه” جميع الأسس القانونية عبر فتوى غريبة، مفادها أن الأقليات الإثنية لا يحق لها تأسيس أحزاب ذات طابع ديني أو زج الدين في السياسة،
وطالب بحصر العمل السياسي ضمن الأحزاب الأسترالية القائمة فقط. بل ذهب أبعد من ذلك بمصادرة قرار الناشطين السياسيين المستقلين، معتبراً أن استخدام عبارة “الصوت المسلم” يضر بالمصلحة العامة، وأن الترشح بهذه الخلفية لا يعدو كونه وسيلة “لتلقين حزب العمال درساً”، محذراً من أن هذه السياسات قد تدفع بشخص مثل بيتر داتون إلى رئاسة الوزراء، مستشهداً بتجربة دعم بعض المسلمين لدونالد ترامب في الولايات المتحدة.
ويتجاهل هؤلاء أن هناك بالفعل أحزاباً دينية فاعلة في أستراليا، مثل الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي يتمتع بتمثيل في المجلس التشريعي لولاية نيو ساوث ويلز.
في الختام، قد تكون الحملات الانتخابية المبنية على التخويف أو التضليل جزءاً من اللعبة الديمقراطية ضمن حدود القانون، ولكن لا يجوز أبداً مصادرة حق المواطن في الترشح والانتخاب وممارسة العمل السياسي تحت أي شعار، طالما أنه لا يخل بالتناغم الاجتماعي ولا يبنى على أسس عنصرية،
فحق الترشح والمشاركة السياسية مكفول لكل مواطن، بغض النظر عن كونه من “الأقلية” أو “الأكثرية”.
في النهاية، تبقى المواطنة فوق كل التصنيفات، ويظل الحق في العمل السياسي مكفولاً لكل فرد، مهما كانت خلفيته الدينية أو الإثنية.
فالديمقراطية الحقيقية لا تقوم على التخويف ولا على الوصاية، بل على احترام التنوع وصون حق الجميع في المشاركة الحرة والمسؤولة.

سدني