أمل سبتي: الشعب التونسي يواجه السفارة الأمريكية: نحو موقف دبلوماسي حاسم ضد الدعم الأمريكي للاحتلال؟

أمل سبتي
في وقت تصاعد فيه الصراع في فلسطين وتواصل الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاته بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، يتزايد الغضب الشعبي في العالم العربي، خاصة في تونس، التي كانت على الدوام في صف المقاومة والدفاع عن حقوق الفلسطينيين. ففي الأيام الأخيرة، تجمّع مئات التونسيين أمام السفارة الأمريكية في العاصمة تونس احتجاجًا على الدعم الأمريكي المستمر للاحتلال الإسرائيلي. هذه الاحتجاجات باتت تشكل قضية محورية في السياسة الداخلية والخارجية لتونس، حيث يثار تساؤل كبير حول ما إذا كانت هذه الاحتجاجات ستتطور لتؤدي إلى خطوة دبلوماسية غير مسبوقة تتمثل في طرد السفير الأمريكي من تونس.
الاحتجاجات الشعبية التونسية: تعبير عن رفض الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي
تعتبر تونس من الدول العربية التي طالما دعمت القضية الفلسطينية وساندت حقوق الشعب الفلسطيني في مختلف المحافل الدولية. وعقب العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، استمرت الاحتجاجات الشعبية في تونس على مدار الأسابيع الماضية. خرج التونسيون إلى الشوارع مرددين شعارات تطالب بوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل، معتبرين أن هذا الدعم هو أحد الأسباب الرئيسية لتصعيد العدوان على الفلسطينيين.
تتجلى هذه الاحتجاجات بشكل خاص أمام السفارة الأمريكية في تونس، حيث تجمع المتظاهرون من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية في مشهد يعكس التزام الشعب التونسي بقضية فلسطين. ومع تصاعد التوترات، بات واضحًا أن هذه الاحتجاجات لم تعد مجرد تظاهرات عابرة، بل أصبحت مطلبًا شعبيًا يتزايد دعمه يومًا بعد يوم. وقد أظهرت صور وفيديوهات الاحتجاجات التي انتشرت عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، التزام التونسيين بموقفهم الثابت ضد السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.
موقف أمريكا من الاحتلال الإسرائيلي: دعم مستمر وتصعيد الغضب العربي
منذ بداية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، سعت الولايات المتحدة إلى تأكيد موقفها الثابت في دعم إسرائيل في كل المحافل الدولية، مما أثار ردود فعل قوية في العالم العربي. في عام 2017، نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس المحتلة، في خطوة اعتبرها العديد من الخبراء والمحللين بأنها دعم غير مشروط للسياسات الإسرائيلية تجاه فلسطين.
ورغم الدعوات الدولية لوقف العنف في غزة ووقف الاعتداءات على المدنيين الفلسطينيين، استمرت أمريكا في توفير الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، مما جعل العديد من الشعوب العربية، وخاصة التونسيين، يعبرون عن غضبهم بشكل متزايد. إذ كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تواصل إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، وتقديم الدعم الدبلوماسي في الأمم المتحدة، ما أدى إلى تصعيد مشاعر الإحباط والرفض في مختلف الدول العربية.
هل يمكن لتونس أن تكون السباقة في طرد السفير الأمريكي؟
بالنظر إلى التصعيد الكبير في الاحتجاجات الشعبية في تونس، بدأت بعض الأصوات تتساءل حول إمكانية اتخاذ تونس خطوة دبلوماسية غير مسبوقة في العالم العربي، تتمثل في طرد السفير الأمريكي من البلاد. هذه الفكرة ليست جديدة، فقد سبق لبعض الدول أن اتخذت خطوات مماثلة في فترات سابقة احتجاجًا على مواقف أمريكية، إلا أن تونس، التي عرفت بتوجهاتها السياسية المستقلة بعد ثورة 2011، قد تكون في موقف يسمح لها بقيادة هذه الخطوة الرمزية.
تاريخيًا، تمثل خطوة طرد السفير الأمريكي بمثابة رد فعل قاسي على السياسة الأمريكية في المنطقة. وتاريخ تونس في الوقوف مع فلسطين يضيف وزنًا لهذه المطالبات، حيث سبق للرئيس الجمهورية قيس سعيد أن أطلق مواقف قوية ضد إسرائيل، وأكد على دعم تونس للقضية الفلسطينية. اليوم، يعبر الشعب التونسي عن رفضه لسياسة أمريكا المتواصلة في دعم الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما قد يضغط على الحكومة التونسية لإتخاذ قرار حاسم.
الضغط الشعبي في تونس: هل سينتصر على الدبلوماسية الأمريكية؟
تواجه الحكومة التونسية تحديًا كبيرًا في التوازن بين موقفها الشعبي المؤيد لفلسطين، وبين علاقتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن هذا الضغط الشعبي قد يكون هو الدافع الرئيسي لاتخاذ خطوة جادة في هذا الاتجاه. وإذا استمرت الاحتجاجات في التزايد، قد تجد الحكومة نفسها أمام خيار صعب بين إرضاء شعبها والحفاظ على العلاقات مع واشنطن.
في واقع الأمر، هذا ليس أول مرة يخرج فيها الشعب التونسي إلى الشوارع في مسيرات حاشدة دعمًا لفلسطين، لكن الاحتجاجات الأخيرة تتميز بالحماسة والمشاركة الواسعة. وقد تواصلت التحركات الاحتجاجية حتى أمام مقرات السفارة الأمريكية، ما يعكس تزايد الرغبة الشعبية في اتخاذ موقف أكثر قوة ضد السياسات الأمريكية في المنطقة.
فلسطين أولًا: كيف يساهم الشعب التونسي في تعزيز دعم القضية الفلسطينية؟
المشاركة الفاعلة للشعب التونسي في الاحتجاجات تأتي في إطار التزام طويل الأمد بدعم القضية الفلسطينية. فبينما كان الإعلام الأمريكي يروج بشكل كبير للموقف الإسرائيلي، كانت تونس دائمًا في صف من يرفضون الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط. هذه المشاركة الشعبية، التي تضم أفرادًا من مختلف الأعمار والأيديولوجيات، توضح أن الشعب التونسي لا يكتفي بالمواقف الرمزية، بل يسعى لتحريك الحكومة لاتخاذ خطوات عملية لدعم فلسطين.
لقد كانت تونس على مر العصور مركزًا للنضال العربي ضد الاستعمار والصهيونية، واليوم يبدو أن الاحتجاجات الشعبية تمثل مرحلة جديدة من هذا النضال.
خاتمة
من الواضح أن الاحتجاجات التونسية ضد الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي تعكس تحولًا كبيرًا في المزاج الشعبي في تونس وفي العالم العربي بشكل عام. ومع استمرار هذه الاحتجاجات، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه التحركات ستؤدي إلى موقف دبلوماسي حاسم من الحكومة التونسية، مثل طرد السفير الأمريكي. في النهاية، فإن تونس قد تكون في موقف تاريخي يتطلب منها اتخاذ خطوات جريئة في مواجهة النفوذ الأمريكي، مما يعكس عزم الشعب التونسي على الوقوف في صف فلسطين مهما كانت التحديات.
كاتبة تونسية