أين أخطأ الرئيس عون واصابت المقاومة اللبنانية؟ وماذا وراء الغارات الإسرائيلية المتصاعدة في الضاحية الجنوبية والهجمات السيبرانية في ايران؟

عبد الباري عطوان
بعد ساعات من الغارة الإسرائيلية التي استهدفت عمارة مدنية في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت امس الاحد، شدد الرئيس جوزيف عون امام وفد من مجلس الشيوخ الفرنسي على “ان قرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية قد إتخذ ومن غير المسموح بالعودة الى لغة الحرب”، وأضاف بأنه “يريد من فرنسا وامريكا، والضامنتين لوقف إطلاق النار إجبار إسرائيل على وقف اعتداءاتها”.
لا نعرف كيف يطالب الرئيس عون من أمريكا وفرنسا وقف الاعتداءات الإسرائيلية هذه التي وقعت في قلب العاصمة، وهي جاءت بضوء أخضر من البلدين، فإسرائيل تحكمهما فعليا، ومعظم دول العالم الغربي أيضا، فاذا كانتا لم تصدران مجرد ادانة “لفظية” لحرب الإبادة والتجويع لمليوني “انسان” في قطاع غزة، وبطريقة سادية، فهل توقفان غارة واحدة على لبنان؟ ولماذا؟
***
حكومة نتنياهو اكدت انها “أبلغت واشنطن مقدما عن قصفها للضاحية الجنوبية التي تتعهد بأنها لن تعود ملاذا آمنا لحزب الله، او ان تسمح للحزب لاستعادة قوته بحيث يشكل أي تهديد لدولة الاحتلال”، ولو كانت الإدارة الامريكية التي يبدو ان الرئيس عون، ورئيس وزراءه نواف سلام يثقان بها، تريد فرض احترام وقف إطلاق النار لاعترضت على هذا العدوان، وما سبقه من عدوانات، وبادرت بمنعه، ولكنها لم ولن تفعل.
الطائرات الحربية الإسرائيلية باتت تخترق المجال الجوي اللبناني، وتحلق فوق العاصمة ليل نهار، اما اغتيالاتها لشخصيات لبنانية في الجنوب والبقاع فباتت امرا عاديا ومألوفا، ويبدو ان القيادات اللبنانية الثلاثة التي فرضت وقف إطلاق النار على المقاومة اللبنانية، لا تريد ان ترى هذه الاختراقات وتتمسك بموقفها في نزع سلاح المقاومة وفي أسرع وقت ممكن، وحصره في يد جيش لم يستطع على مدى أكثر من 70 عاما حماية شعبه.
لم تفاجئنا هذه الاختراقات الإسرائيلية الدموية لوقف اطلاق النار، التي وصلت الى أكثر من 3028 اختراق حتى الآن، ليس لأننا طلبنا بالتريث وتمحيص كل بنود الاتفاق قبل التوقيع عليه، لعدم ثقتنا بالنوايا الامريكية والإسرائيلية، وانما لأننا توقفنا وحذرنا بالصوت والصورة والكتابة امام الفقرة التي تعطي دولة الاحتلال الحق في انتهاك الأجواء والأراضي اللبنانية لردع أي خطر لبناني على أمنها، ومن المؤلم اننا تعرضنا لانتقادات عديدة من “المتلهفين” على التسريع بتوقيع الاتفاق الذين كانوا يعتقدون انه سيعيد لبنان الى عصره الذهبي كدرة الشرق الأوسط.
الغطاء الذي تسترت حكومة نتنياهو خلفه لشن الغارة على الضاحية الجنوبية الادعاء بأن الهدف الذي قصفته الطائرات كان مخزنا للصواريخ الدقيقة تابعا لحزب الله، ولكننا، ومعظم اهل الضاحية، لم نسمع انفجار صاروخ واحد من تلك الصواريخ المستهدفة اثناء القصف، مما يؤكد ان الهدف من هذه الغارات، والأخرى التي سبقتها منذ بدء وقف اطلاق النار هو إرهاب الشعب اللبناني، واذلال حكومته وجيشه، وإلغاء شيء إسمه “السيادة”.
دولة الاحتلال تريد جر لبنان الى حرب أهلية تكون بدايتها إشعال فتيل فتنة عنوانها الأبرز الصدام بين الجيش اللبناني والمقاومة، ولهذا دقت “مسمار جحا” في الجنوب اللبناني الممثل في التلال الخمسة التي لم تسحب قواتها منها، ويبدو انها لن تسحبها الا بالطريقة نفسها التي أجبرت نظيراتها على الانسحاب من الحزام الأمني عام 2000، اي بقوة المقاومة.
***
الدور التخريبي الإسرائيلي في المنطقة، يتصاعد ابتداء من لبنان ويتمثل في الغارات والاغتيالات المستمرة، وانتهاء بالتفجيرات في ميناء بندر عباس لمخزون مادة الامونيا على غرار ما حدث في مرفأ بيروت، مثلما أكد محمد سراج النائب في البرلمان الإيراني، لتعطيل المفاوضات النووية الامريكية الإيرانية، وهي التفجيرات التي تلتها حرب سيبرانية على منشآت عسكرية إيرانية أخرى في طهران.
أمريكا وفرنسا لن تستجيبان لتوسلات الرئيس عون ورئيس وزرائه نواف سلام، وتوقفان هذه الاعتداءات الإسرائيلية، ولذلك لا بد من عودة معادلة “الشعب الجيش المقاومة”، وتعزيز قدرات الأخيرة عسكريا وسياسيا، وليس نزع سلاحها، لانها الوحيدة القادرة على وضع حد لهذه الاهانات الإسرائيلية، وتحرير كل الأراضي اللبنانية، وكسر أنف نتنياهو وجنرالاته، مثلما حدث في حرب التحرير التي تكللت بانتصار عام 2000 وتكرست بهزيمة عدوان حرب تموز عام 2006، ونأمل ان يتوحد اللبنانيون حكومة وشعبا خلفها مجددا، والحياة “وقفة عز” مثلما قال الزعيم السوري أنطون سعادة.