كيف أكّد ترامب أن حكّام دمشق الجُدُد “مُجرّد وكلاء”؟ وهل إعلان “الحُب الرائع” مع أردوغان بحُضور نتنياهو يُعيد لتركيا “عُثمانيّتها” ويحمي نُفوذها في سورية؟.. هل حصل أردوغان على “إذن واشنطن” لقمع مُعارضيه وكيف يتحضّر الأخير لإقصاء “أوزال” بعد “إمام أوغلو”؟

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
يتصدّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العناوين السياسية هذه الأيام بكثافةٍ ملحوظة، سواءً على الصعيد الداخلي وصراعه مع خُصومه السياسيين بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ودعوة المعارضة له لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وحشدها للشارع التركي.
إقصاء الخُصوم.. وإذن واشنطن!
ويتحصّن الرئيس التركي داخليًّا بإقصاء خُصومه السياسيين، عبر اعتقال إمام أوغلو لعدم مُنافسته، وترك الأمر للقضاء، فيما والجديد رفعه أي الرئيس أردوغان دعوى تعويض معنوي بقيمة 500 ألف ليرة تركية ضد أوزغور أوزال زعيم حزب الشعب الجمهوري المُعارض، بدعوى وصفه بـ”الانقلابي”، كما تقدّم أيضًا بشكوى جنائية إلى النيابة العامة بتُهمة إهانة الرئيس، وهي التهمة التي تكرّرت بحق جميع خصوم أردوغان وشملت حتى بعض نجوم الفن والإعلام والجمال.
وسبق أن اتهم زعيم حزب الشعب الجمهوري المُعارض أوزغور أوزيل، الأحد، أردوغان بالحُصول على إذن من نظيره الأمريكي دونالد ترامب قبل اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، متعهدا باستمرار الاحتجاجات المناصرة للأخير في عموم البلاد.
“أنا أُحبّه وهو يُحبّني”
ويبدو أنّ أسهم الرئيس التركي مُرتفعة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويُراهن عليها داخليًّا، وخارجيًّا في سياق نفوذه في سورية الجديدة ضد النفوذ الإسرائيلي بعد سُقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، فيما التساؤلات مطروحة فيما إذا كانت إدارة دونالد ترامب الذي عبّر عن حُبّه لأردوغان، سيقف ضد المعارضة التركية حال تطوّر الأمور على خلفية الاحتجاجات التي تنوي المعارضة تحريكها هذا الأسبوع، يوميًّا، وأسبوعيًّا، كما عبّرت واشنطن سابقًا بالتعبير عن القلق تجاه تعرّض حكم حليفها التركي لعدم الاستقرار.
وكان لافتًا ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حق أردوغان، فقال “لدي علاقة رائعة مع رجل يُدعى أردوغان، وأنا أحبه وهو يحبني، وهذا ما يُغضب وسائل الإعلام”، مشيرًا إلى أنه لم يسبق أن حدث بينهما أي “إشكال”.
وأثنى ترامب على الرئيس التركي ووصفه بأنه “ذكي للغاية” وقال إن العلاقة بينهما جيدة وإنه قد يعمل وسيطًا بين إسرائيل وتركيا.
“حُب ترامبي” بحُضور نتنياهو
هذا التعبير عن الحُب جاء بشكلٍ واضح وجليّ أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارة الأخير المُفاجئة لواشنطن.
نتنياهو والعقلانية؟!
ولُوحظ خلال تصريحات صحفية أدلاها ترامب خلال استقباله نتنياهو في البيت الأبيض، أمس الاثنين، بأن ترامب مال بالأكثر لكفّة نظيره التركي، حيث توجّه ترامب إلى ضيفه بنيامين نتنياهو، بالقول: “أي مشكلة لديك مع تركيا أعتقد أنه بإمكاني حلها ما دمت منطقيا في طلباتك.. عليك أن تكون منطقيا.. علينا جميعا أن نكون منطقيين”.
ومن النادر أن لا تأخذ الإدارات الأمريكية مخاوف إسرائيل على محمل الجد، بل العمل على تعظيمها، وتضخيمها خدمةً للمشروع الصهيوني، لكن بما يتعلّق بعدم رغبة إسرائيل بوجود قواعد تركية في سورية، نصحه ترامب بأن يحل (نتنياهو) مشاكله بعقلانية مع تركيا.
صدام نفوذ لا أكثر.. وأين غزة من هذا الحُب؟
يبدو بكُل حال أن إسرائيل وتركيا ستتجنّبان الصّدام في في سورية أو بالأحرى التصارع على النفوذ فيها، وبالتالي احتمال توقّف القصف الإسرائيلي على المطارات والقواعد التركية في سورية، حيث قال نتنياهو “تحدّثنا عن السبل التي يمكننا من خلالها تجنّب هذا الصدام”.
تُطرح تساؤلات حول عدم استغلال تركيا لـ”حب” ترامب وأردوغان المُتبادل، في وقف الحرب على غزة، وتجنيب الغزّيين حرب الإبادة، وفرض صفقات التبادل دبلوماسيًّا على إسرائيل، والوقوف أمام مشروع تهجير الغزيين من القطاع، حيث يستطيع ترامب إجبار نتنياهو على ذلك كما فعل معه في سورية إرضاءً لتركيا.
يُكرّر أردوغان تصريحاته الكلامية حول عدم التخلّي عن غزة فيقول: “إن تركيا لن تتخلّى عن “إخواننا” في غزة بينما تنتهك إسرائيل الكرامة الإنسانية هناك علنًا.
حكّام دمشق.. وكلاء أردوغان!
وفيما يُقدّم حكّام دمشق الجدد أنفسهم بصفتهم الأمويين الجدد أحفاد بني الأمية الذين “حرّروا” سورية بسواعدهم من “الدولة السورية” السابقة، وضع ترامب النقاط على الحروف، ووصفهم بالوكلاء، حين قال ترامب “أبلغت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهانينا.. لقد فعلت ما عجز عن فعله الآخرون على مدى ألفي عام.. لقد أخذت سوريا مهما تعددت أسماؤها تاريخيا.. عبر وكلائك”.
وتابع ترامب: “قال أردوغان لا لا لا.. لم أكن أنا من أخذ سوريا، فقُلت له.. لقد كنت أنت ولكن حسنا ليس عليك الإقرار بذلك، فقال حسنا ربما كنت أنا من أخذها”.
قواعد تُركيّة في سورية بعد سُقوط الأسد!
ولا يبدو أن أنقرة بصدد “الدفاع” عن سورية وأراضيها، بقدر اهتمامها بنفوذها فيها، وسيطرتها على نظام الحكم فيها، فالجيش الإسرائيلي يُواصل توسّعه في جنوب سوريا وسيطر على مساحات واسعة ونقاط حيوية، مثل جبل الشيخ؛ بينما يقتصر رد الحكومة السورية على إدانة إسرائيل بسبب التوغلات والضربات بواقع تركها تدمير مقدّرات الجيش العربي السوري السابق بالكامل.
يُؤكّد ذلك ما صرّح به وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لوكالة “رويترز” بأن تركيا لا تريد أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا، بينما تستعد أنقرة في سورية لإبرام اتفاق دفاع مشترك محتمل قد يشهد إقامة قواعد تركية جديدة في وسط سوريا، واستخدام المجال الجوي للبلاد.
“أخطر رجل في العالم” وإحياء العثمانية
الإعلام التركي احتفى بتصريحات ترامب بطبيعة الحال، وقدّمها في سياق انتصار السياسة التركية، وسارع الصحفي التركي يحيى بستان للقول إن إسرائيل حاولت عرقلة إجراء اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب.
واستشهد الإعلام التركي بما كان قاله الاستراتيجي ستيف بانون، المقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره السابق، إنه يرى بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو “أخطر رجل في العالم”، وأضاف أن “قادة الصين ومسؤولو الاستخبارات الروسية والملالي الإيرانيون أشخاص صعبون، لكن الأصعب هو الرئيس أردوغان، الذي يحمل رؤية لإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية، وأردف: الرئيس أردوغان يمتلك رؤية تمتد من البلقان إلى اليونان، ومن إيران إلى البحر الأحمر، ومن بحر العرب إلى شمال إفريقيا.
وكان أجرى الرئيس أردوغان، اتصالا هاتفيا مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي، بحثا خلاله العلاقات التركية الأمريكية وقضايا إقليمية وعالمية، وتضمن تأكيد على عودة تركيا لشراء المقاتلات الأمريكية، والتخلّي عن “إس-400” الروسي.
تساؤلٌ أخير.. أدرعي وصل القنيطرة!
لا صِدام عسكري إذًا بين إسرائيل وتركيا، بل هو صراع على النفوذ على الأراضي السورية، الثابت هو تحوّل سورية إلى “دولة وكيلة” لتركيا أو وكلاء أردوغان بحسب توصيف ترامب، والثابت الثاني هو اعتماد أنقرة على واشنطن ترامب في توسيع نفوذها في سورية، وتعاظم دورها في المنطقة، ومنع الإسرائيليين بالتالي من كبح جماحه، وتكرار قصف قواعد عسكرية سورية يتجهّز الأتراك للبقاء فيها مثل قاعدة تي4 الاستراتيجية.
تساؤلٌ أخير في سياق الاحتفاء التركي والعربي المرصود إعلاميًّا بعودة النفوذ التركي أو العثماني للمنطقة بالسيطرة على سورية، والتواجد في العراق، وليبيا، والامتداد المُفترض من البلقان إلى اليونان، ومن إيران إلى البحر الأحمر، ومن بحر العرب إلى شمال إفريقيا، هل تستطيع أنقرة الرد على إسرائيل حال قصف قواعدها في سورية، كما تفعل ضد الفصائل العراقية والقوات الكردية، هذا تساؤل مُوجّه بالدرجة الأولى للرئيس أردوغان الذي قال اليوم الثلاثاء: “سنكون دائماً إلى جانب إخواننا السوريين وسنفي بمسؤولياتنا بكُل حزم من أجل إرساء الاستقرار بسوريا”.
وبينما كان يؤكد أردوغان على وقوفه الدائم إلى جانب “إخوانه السوريين”، كان المتحدث العربي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي يستعرض صورته واقفًا إلى جانب لوحة “القنيطرة”، وقال من داخل الأراضي السورية المحتلة بأن الجيش الإسرائيلي ينتشر في منطقة التأمين الدفاعية جنوب سوريا لمنع التهديدات وضمان أمن الإسرائيليين، ويؤكد على أن وجودنا (الاحتلال) في الجنوب السوري يعزز قدرتنا على الاستجابة السريعة لأي تطورات أمنية.