د. طارق ليساوي: غزة توشحت “ثوب الدم” وتنتظر عدل وحكمة ملك الصين

د. طارق ليساوي
أشرت في مقال “غزة الصامدة فضحت كل المطبعين و أخزت كل المنسقين..” إلى أن حكام المنطقة بما فيهم السلطة الفلسطينية و رئيسها “أبو مازن” لا تحركه دوافع شعبية، و إنما دوافع ضيقة الأفق و مصالح فئوية ذات نزعة شخصية و سلطوية، وهذا النهج يعيد كل البعد عن حكام العالم في الغرب و الشرق ، بل عن حكام المنطقة في عصرها الذهبي ، و تخبرنا كتب التاريخ أن ملك للصين قد أمر المظلومين بلبس ثوب أحمر حتى يراهم، أفلا يرى ملوك العرب ورؤساؤهم الدم الأحمر الذي يسيل أنهارًا في غزة من المظلومين رجالًا ونساء وأطفالًا، أفلا يحرّك فيهم مروءة وإنسانية ملك الصين على رعيته؟!
رجل رشيد
و لتعميم الفائدة سوف أخبركم بهذه القصة الطريفة ، بينما الخليفة العباسي المنصور يطوف ليلًا حول الكعبة الشريفة وإذا به يسمع داعيًا يدعو الله ويقول: “اللهم إني أشكو إليك ظهور البغيّ والفساد في الأرض”. فجلس المنصور في ناحية من المسجد وقد استدعى الرجل إليه، فقال له المنصور: “لقد سمعتك تذكر من ظهور الفساد والبغيّ في الأرض، فما الذي رأيته حتى قلت الذي قلته؟ فقال الرجل: إن أمّنتني يا أمير المؤمنين أقول لك ما أعرف. فقال له المنصور: فأنت آمن على نفسك. قال الرجل: يا أمير المؤمنين إن الله استرعاك أمر عباده وأموالهم فأغفلت أمورهم واهتممت بجمع أموالهم وجعلت بينك وبينهم حجابًا من الجص والآجر وأبوابًا من الحديد، وحراسًا معهم السلاح، ثم سجنت نفسك عنهم فيها، وبعثت عمّالك في جباية الأموال وجمعها، وأمرت ألّا يدخل عليك أحد من الرجال إلا فلان وفلان، ولم تأمر بإيصال المظلوم ولا الملهوف ولا الجائع ولا العاري ولا الضعيف إليك، ولا أحد إلا ولهَ في هذا المال حقّ، فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك وآثرهتم على رعيتك، وأمرت ألا يحجبوا دونك، تجبي الأموال وتجمعها ولا تقسمها قالوا هذا المنصور قد خان الله فَلِمَ لا نخونه نحن؟
الثوب الأحمر
وقد كنت يا أمير المؤمنين سافرت إلى الصين مرة وقد أصيب ملكهم بفقد السمع، فبكى بكاء شديدًا، فحثه جلساؤه ومستشاروه على الصبر فقال: أما أني لا أبكي للبلية النازلة ولكني أبكي لمظلوم يصرخ بالباب فلا أسمع صوته، ثم قال: أما إذا كان قد ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب، نادوا في الناس ألّا يلبس ثوبًا أحمرَ إلا متظلم، ثم كان يركب الفيل كل يوم ينظر بين الناس فإذا رأى من يلبس ثوبًا أحمرَ عرف أن عند الرجل مظلمة فاستدعاه إليه. وأتبع الرجل يقول للمنصور: فهذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله بلغت رأفته بالمشركين هذا المبلغ وأنت مؤمن بالله ومن أهل بيت نبيه ولا ترأف بالمسلمين. فبكى المنصور وقال: ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني فماذا أفعل؟ فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين إن للناس أعلامًا يفزعون إليهم في دينهم ويرضون بهم في دينهم فاجعلهم بطاعتك يرشدوك وشاورهم في أمرك يسددوك، يقصد أن يختار له بطانة من الناصحين الصادقين”.
سيل من الدماء
سيل دماء أهل غزة لا يحتاج لأعلام حمراء حتى تراها عيون الحكام، فالظلم بين و الإجرام واضح و الوحشية ثابتة و الخذلان و التأمر مكشوف و معلوم، فدموع أطفال غزة وعيونهم ووجوههم وأجسادهم كلها تقول أنهم جوعى وعطشى ومقهورون..فماذا تنفع التيجان أرضًا تنام على المجازر والرماد؟!!
البرلمان الأردني
وتزامن تصريح أبو مازن ووصفه المخجل لأشرف الرجال و أطهر ما أنجبت الأمة في عصر التيه و السفه و الغثائية، مع قرار نظام الأردني بحظر كافة أنشطة حركة الإخوان المسلمين، والهجوم الشنيع الذي تعرضت له بداخل البرلمان الأردني، والدعوة الى تقديس الملك، واعتبار من لا يحبه لا يحب الله البحث عن الحظر جماعه الاخوان المسلمين في الاردن والهجوم عليها ..
ففي الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة الغضب الشعبي العربي دعمًا للمقاومة الفلسطينية في غزة، تفاجأ الشارع الأردني بحملة اعتقالات طالت عددًا من النشطاء والنقابيين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، بتهم تتعلق بمحاولة تهريب أسلحة والتخطيط لعمليات ضد أهداف إسرائيلية. وعلى الفور، رُوّجت رواية رسمية وإعلامية تتحدث عن “مخططات لزعزعة استقرار الأردن”، في تجاهل صارخ لما أثبتته التحقيقات من أن الهدف كان مقاومة الاحتلال الصهيوني، لا المساس بأمن البلاد.
مفارقة هذه القضية أن من يُجرَّم اليوم بتهمة “الإرهاب” هم أنفسهم من حملوا همّ الأمة، وسعوا – ولو بوسائل غير تقليدية – إلى نصرة الشعب الفلسطيني الذي يُذبح كل يوم. إن تصوير هؤلاء كخطر داخلي هو عبث بالوعي الجماعي للأردنيين، ومحاولة لقلب الحقائق وتبديل مواقع الخصم والعدو.
فالعدو الحقيقي الذي يستهدف استقرار المنطقة هو الاحتلال الإسرائيلي، وليس أولئك الذين تسعى ضمائرهم لنصرة المظلومين في غزة والضفة، وهذه الحملة المسعورة لا يمكن عزلها عن السياق الأوسع للمؤامرة الصهيونية المستمرة ضد جماعة الإخوان المسلمين، تحديدًا لما تمثله من حاضنة فكرية لحركات المقاومة، وعلى رأسها حركة “حماس”. إسرائيل، التي فشلت في القضاء على المقاومة في غزة رغم كل ما تملك من أدوات القتل، تسعى حاليًا لتجفيف منابع الدعم الشعبي والرمزي لحماس في الخارج، عبر وصم كل من يتعاطف معها أو يدعمها بالإرهاب.
توحيد الصفوف
إن تزامن هذه التصريحات والقرارات والخرجات الإرتجالية والعشوائية لبعض وجوه هذا النظام العربي الرسمي، يدل على أن العدو الأول لهذا النظام من المحيط إلى الخليج، ليس إسرائيل، وإنما هو الإرادة الشعبية ممثلة أساسا في حركات الإسلام السياسي، وخاصه حركة الإخوان المسلمين.. والتي تعد حركه حماس جزءا اصيلا منها وبهذه الخطوة تنضم الأردن رسميا، إلى المحور المصري- الخليجي في تجريم حركة الإخوان المسلمين، باعتبارها حاضنة المقاومة الشعبية، وستلتحق باقي البلدان العربية بهذا الركب، سواءا بشكل سافر أو من خلف الستار.. لأن القوى الاستعمارية الكبرى دولا ومؤسسات وشركات وشخصيات عابرة للحدود، التي تتغلغل في أعماق دواليب هذه الدول، لا تريد حركات تستطيع تحريك الشارع وحشد الجماهير وتوحيد الصفوف وتذكير الأمة العربية، بماضيها المجيد ، وحاضرها الواعد بالتحرير والتغيير، رغم البؤس الظاهر على واقع شعوب العربية إلا أن الأغلبية الصامتة لا زالت تحتفظ بأصالتها وانتمائها وثقافتها وقيمها الإسلامية الأصيلة..
أوراق التاريخ
وتنتظر فقط لحظة التحرر والانعتاق من سلطة استبدادية هي من مخلفات اتفاقية “سايكس -بيكو” وتوابعها، إن اللحظة الراهنة تدعونا الى تقليب أوراق التاريخ القريب والنبش في ساعه تأسيس هذه الحركة أو الجماعة المنبوذة رسميا والمحتضنة شعبيا، ألا وهي جماعه الإخوان المسلمين التي ظهرت مباشرة بعد السقوط الخلافة العثمانية وقيام دولة اتاتورك العلمانية، ان الأوان لمراجعة سيرة و منهج المؤسس حسن البنا رحمه الله، المعلم والملهم للشيخ احمد ياسين رحمه الله مؤسس حركة حماس وملهم عز الدين القسام القائد الشرفي والتاريخي لكتائب القسام ..
من جنود الله
و كما يقال رب ذره نافعة، فالغباء جند من جنود الله، فهذا القرار الغبي للسلطة الأردنية وقبل ذلك للسلطة المصرية والتونسية و السلطات الخليجية، سيدعو جميع أبناء الأمة وخاصه من أبناء جيل مطلع الألفية الثالثة، إلى قراءة تاريخ هذه الجماعة وأدبياتها، وكيف ساهمت وانخرطت بقوة في أولى معارك تحرير فلسطين منذ 1948…
ما يحدث في المنطقة العربية ليس مجرد قضية أمنية، بل هو جزء من معركة وعي أكبر. معركة تحاول فيها الصهيونية أن تفرض روايتها على الجميع، وأن تُسكت كل الأصوات الحرة التي ترفض الاحتلال والتطبيع. وهي معركة علينا أن ننتبه لها جيدًا، لأن نتائجها لا تتوقف عند جماعة أو أفراد، بل تمس مستقبل الأمة، وحقها في مقاومة الظلم والاحتلال… و حتى لا أطيل عليكم ستجدون تفصيل هذه المواضيع في ثلاثية طوفان الأقصى بأجزائه الثلاثة و في حلقات برنامجكم “إقتصاد × سياسة ” .. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ..
كاتب و أستاذ جامعي من المغرب.