تونس: “الاستشراق” يتدارك خطيئته بمعرض “القرآن في عيون الآخرين”

علي غوايدية
“بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَااانِ الرَّحِييم”. المقرئ الشّيخ علي البرّاق يتلو آيات من “القرآن الكريم” طوال اليوم في بهو دار الكُتُب الوطنية بتونس العاصمة، من الـ15 من فيفري إلى 30 من أفريل، الجاري 2025. أيّام وليالي يستغرقها المعرض الفريد من نوعه ضمن الأجندا الثّقافية المحلّية المنتعشة حاليا.
“يتناول هذا المعرض مقاربات وتأويلات القرآن داخل المشهد الدّيني والسّياسي والفكري في أوروبا، منذ العصور الوسطى إلى يومنا هذا. عبر ثلاثة أروقة معرض مخطوطات أصلية ومُصوّرة، كتبا مطبوعة (للقرآن بمختلف اللّغات) إلى جانب الأعمال الفنّية والوسائط الرّقمية، تعكس كلّها طيفا واسعا عن سُبل الاطلاع على القرآن في أوروبا وقراءاته المتنوعة”، تقول لافتة تعريفية مُعلّقة على جدار المعرض.
تُعرض التّلاوة بهذا الصّوت الرّمضاني المألوف لدى الآذان التّونسية، أحد أعلام الثّقافة الدّينية المحليّة، في غرفة يصدر منها صوت القراءة ليصل إلى بهو الاستقبال والطّابقين الأوّل والثّاني من الدّار أو من “المكتبة الوطنيّة” كما درج التّونسيون على تسميتها. وهي تلاوة بصرية سمعية، على قدر حركتها يتمايل الحرف العربي راسما آيات قرآنية. بذلك، يحضر القرآن في أروقة المعرض موضوعا وصوتا وصورة، بل وتصوّرا.
فنون إسلامية رُوحها القرآن
استنفرت إدارة مؤسسة دار الكتب الوطنية، لتأثيث هذا المعرض، تُحفا فنيّة محفوظة في المتاحف التّونسية ومن مؤسسات ثقافية أجنبية بالإضافة إلى رصيدها من المصاحف والمخطوطات. فهاهو “شاهد قبر عمودية الشكل منحوتة بالخط الكوفي” (القيرواني) مُستعارة من متحف مدينة “رقادة” بولاية “القيروان” سرّة الإسلام في المغرب العربي.
واستعملت مختلف الحامل الاتّصالية، القديمة والحديثة، المكتوبة و المسموعة والمرئية لتوسيط الثّقافة التّونسية العربية الإسلامية بمختلف تمظهراتها: التّلفزيون، سمّاعات الصّوت ومُكبّراته، الورق، الجدار، الضوء، البلور، الحجارة، الكتاب وحتّى فضاءاتها الخارجية للتشوير على هذا الحدث (المعرض) ومكانه وزمانه والمساهمين فيه. وقد كان الخط العربي، خاصة الكوفي، وسيطا اتصاليا نجما. عُرض الخط تعتة أنامل تخطه بالقصب والمُحَبَّر على ورق. عُرض مُرقمنا معبّرا عن وتجديد ومعاصرة على قاعدة الأصالة. عُرض منحوتا صامتا، وعرض متحركا ناطقا.
خطيئة الاستشراق الأولى…
ولئن كان اهتمام الآخرين من غير المسلمين، لاسيما الغربيين، مؤشّرا حميدا على قيمة هذا الكتاب لدى البشرية، فإنّ ذلك لا يمحو مقاصد شرّيرة وراء ترجمة القرآن الكريم إلى لغات غير عربية. ففي شمال شرق أسبانا، مثلا، “30 كيلومترا من حدود الأندلس أراد بطرس رئيس دير كلوني الغني والقوي دحض ما سماه بدعة الشّرقيين أي المسلمين وللقيام بذلك كان بحاجة لترجمة القرآن، يقول المستشرق جون تولان.
“إنّ فنّ التّلاوة (التّجويد) يُبرز الكلمات المُقدّسة عبر تغيير النّبرات الصّوتية”، تقول لوحة معروضة. أثار سمو هذا الفنّ العربي الإسلامي غيرة بطرس ليكون وراء سعي الإنجليزي روبرت كيتون، الّذي جاء إلى إسبانيا لتعلّم العربية ودراسة العلوم، إلى “ايصال معنى كتاب المسلمين المقدّس وتحويل النّثر الايقاعي للنّص العربي إلى أسلوب رفيع في الكتابة باللاّتينية” يُضيف تولان.
بلغ إبداع ترجمة لدى روبرت إلى “البدعة”. إذ أرفق النّص القرآني المترجم إلى اللاّتينية بـ”ملاحظات هامشية تقدّم تفسيرات تاريخية أو توضيحية وتندّد أحيانا بما نعتها بأخطاء النّبي محمّد ووصف بالزّنديق”، بحسب المصدر ذاته.
.. والتَّكفير عن الذّنب
في المقابل يبرز المعرض اسهام المستشرقين في تطوير الثّقافة الإسلامية، على غرار “هوتينغر” الذي ساهم في تطوير الخط الكوفي بإضافة “ألفبائية” أو “مفتاحا”. وهذا المعرض نفسه حظي بدعم من مؤسسات غربية ك وجامعة نناتس “مجلس البحوث الأوروبي” وغيرهما المؤسسات الوطنية والأجنبية. يمكن يكون هذا الدّعم تكفيرا عن خطيئة بطرس الأولى وكذلك مترجمه روبرت بمحاولتهما المساس بقدسية القرآن وناقله نبي الإسلام محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
ويمثلّ عرض مشاهد من محنة المسيحية، بهذا المعرض، وجها من وجوه النّقد الذاتي للاستشراق ومظهر من مظاهر حوار الحضارات. وهو مطلب إنساني، بل سُنّة إليهية، اجتهد هذا المعرض في حفظها.
يستأنف المُقرئ الشّيخ علي البرّاق تلاوته للآيات القرآنية: “والنَّجْمِ إذَا هَوَى. مااا ظَلَّ صاااحِبُكُم ومَااا غَوى. وَما يَنْنْنْطِقُ عَنِ الَهَوى”. صدَقَ الله العَظيم.
– تونس