الدكتور ربيع العمور: الحرب الوشيكة بين الهند وباكستان: بين كبح الصين وإعادة تشكيل الشرق الأوسط

المحامي الدكتور ربيع العمور
تشهد الساحة الآسيوية تصاعدًا خطيرًا في التوترات العسكرية بين الهند وباكستان، مما يثير المخاوف من اندلاع حرب جديدة في جنوب آسيا. غير أن هذا التصعيد، في عمقه، ليس مجرد نزاع إقليمي تقليدي، بل يمثل إحدى حلقات صراع دولي أوسع يسعى لإعادة رسم خارطة النفوذ العالمي، وفي القلب منه: محاولة كبح تمدد الصين.
أولًا: خلفيات الصراع
على مدار العقدين الماضيين، برزت الصين كلاعب اقتصادي وعسكري عالمي عبر مبادرة “الحزام والطريق”، التي تهدف إلى ربط الصين بالعالم من خلال شبكة هائلة من الممرات التجارية والمشاريع الاستثمارية. هذا التوسع الصيني أثار قلق الغرب، خاصة الولايات المتحدة، التي باتت ترى في الصين تهديدًا مباشرًا لهيمنتها العالمية.
ضمن هذا السياق، يتم دفع الهند — باعتبارها قوة آسيوية صاعدة وعدوًا تقليديًا للصين — للعب دور رأس الحربة. عبر التصعيد مع باكستان (الحليف الإستراتيجي للصين)، يتم استنزاف بكين وتشتيت جهودها عن التوسع الاقتصادي والعسكري.
ثانيًا: الدور الخفي للشرق الأوسط
لا ينفصل التصعيد الآسيوي عن التطورات الخطيرة في الشرق الأوسط. إذ يتم العمل حاليًا على إنشاء ممر اقتصادي جديد، يربط الهند بأوروبا عبر الخليج وإسرائيل، مرورًا بأراضي غزة (بعد تهجير سكانها المحتملين)، ليكون هذا المشروع بديلاً غربيًا لمبادرة “الحزام والطريق”، ومنافسًا حقيقيًا لمسار قناة السويس التقليدي.
بهذا التحول، تصبح السيطرة على الشرق الأوسط، وعلى نقاط العبور البرية والبحرية، ضرورة إستراتيجية للغرب لفرض بدائل عن الممرات الصينية.
ثالثًا: قناة السويس والممرات البديلة
تاريخيًا، شكّلت قناة السويس شريانًا حيويًا للتجارة العالمية. غير أن وجودها تحت سيادة مصرية مستقلة كان دومًا يشكّل مصدر قلق للغرب. الممر الجديد — عبر ميناء يتم إنشاؤه في غزة وتحالف مع إسرائيل — يوفر بديلاً لا يحتاج إلى المرور بالقناة، وبالتالي يتحرر الغرب من الضغوط الجيوسياسية المصرية.
رابعًا: تحولات خطيرة قادمة
إن مشروع الممر الاقتصادي لا يعني فقط منافسة اقتصادية، بل يفتح الأبواب أمام:
تغيرات ديموغرافية في غزة.
تعزيز وجود عسكري غربي دائم في المنطقة.
تفكيك الحدود أو إعادة تشكيل أنظمة الحكم بما يخدم حماية هذا الممر.
تراجع وزن قناة السويس ومصر في معادلة التجارة العالمية.
خامسًا: ما الذي تعنيه هذه التحولات لنا؟
إن الصراعات التي تبدو للوهلة الأولى بعيدة، كالتوتر بين الهند وباكستان، ليست معزولة عن منطقتنا. بل على العكس:
كل تصعيد في آسيا يزيد من أهمية الشرق الأوسط كممر تجاري عالمي.
كل مشروع بديل عن قناة السويس يعني تحولات سياسية وجغرافية عميقة في المنطقة.
كل تأمين لممر جديد يستلزم ترتيبات أمنية قد تعصف بالاستقرار الهش في الشرق الأوسط.
العالم يتحرك بسرعة نحو إعادة رسم خرائط النفوذ والمصالح.
وما يجري من تصعيد في جنوب آسيا، ومن مشاريع اقتصادية في الشرق الأوسط، هو جزء من معركة كبرى حول مستقبل النظام العالمي.
إن منطقتنا العربية ليست على هامش هذه المعركة، بل هي في صلبها، شاء من شاء وأبى من أبى.
كاتب اردني