برغم كل المآسي والأهوال في غزة وبعد خيبة الآمال في الأنظمة.. هل انعدمت المواقف “الفردية” التاريخية في أمة العرب؟ لماذا يجب التذكير بقصة السفير القطري “راشد الخاطر” الذي لم يشعر بأمان ذاتي في ظل أمن قومي عربي مستباح… فانتحر وذكر قصته أمين هويدي وأحمد بهاء الدين؟

القاهرة – “رأي اليوم” – محمود القيعي:
في عام 1983 وفي أعقاب اجتياح إسرائيل للبنان ووصول وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون إلى بيروت ودعمه لمرتكبي مجزرتي صبرا وشاتيلا واقتلاعه منظمة التحرير منها وهروب قيادات المنظمة وكوادرها بالبحر إلى تونس، فجع الجسم الدبلوماسي في تونس بانتحار السفير القطري «راشد الخاطر» احتجاجا على تردي الوضع العربي كما تقول الرواية التي انتشرت عقب اكتشاف جثته مصابة بطلق ناري في منزله.
“الخاطر” كان يحضر في الليلة السابقة حفل عشاء للسفراء العرب في تونس وحاول خلال المناسبة جاهدا عقد صلح بين السفيرين السوري والعراقي لكنه فشل حتى في إقناعهما بالمصافحة ليعود إلى منزله مستخرجا مسدسه الشخصي ومطلقا رصاصة على رأسه، الخاطر لم يتحمل ما وصلت إليه الحال العربية التي هُزمت في كل مكان وانحسر تأثيرها وغاب الأمل في إيجاد الحد الأدنى من التوافق بينها، ربما ليس احتجاجا على عالمه العربي فقط، بل قد يكون تنبؤاً بما سيحدث من تحولات هائلة.
القصة أوردها أمين هويدي رئيس المخابرات المصرية الراحل في كتابه “لعبة الأمم في الشرق الأوسط.. نحن وأمريكا وإسرائيل”، وجاء فيها ما نصه:
“انتحر السفير القطري في تونس احتجاجا على تعاسة الموقف العربي الراهن، والسفير هو راشد الخاطر حاول في سهرة أن يقنع سفيري العراق وسورية بالمصافحة، وانتهت محاولاته إلى طريق مسدود، فعاد إلى بيته مهموما مغموما لتردي الموقف بين الدول العربية إلى هذا الحد فوق ما تحدث به السفراء العرب في السهرة.
وفي الصباح استيقظ وأخذ يراجع كوابيس الوضع العربي المتردي بكل معنى الكلمة، ولا شك أن حالة من اليأس والإحباط الثقيل قد انتابته فقام وأخرج مسدسه وأطلقه على دماغه وحين وصلوا به إلى المستشفى كان قد أسلم الروح.
إن هذا السفير القطري رمز على مشاعر جيل عربي بأكمله يدرك قيمة الزمن الذي نضيعه نحن العرب في صراعاتنا وخلافاتنا في الوقت الذي يلهث فيه العالم ركضا وراء الآفاق الجديدة في العلوم والمعارف والتطور وتغيير حياة الإنسان.
إن السفير راشد الخاطر لم ينتحر إلا حين شعر أن السبل
تضيق بدلا من أن تتسع، والأفق تتراكم عليه الغيوم دون شعاع شمس يوحي بالأمل…وهناك مثله ملايين منتحرون نفسيا وإن كانوا على قيد الحياة “( أحمد بهاء الدين- يوميات- الأهرام في 25/3/1983.)
ويعلق هويدي بقوله: ” ذا مثل واضح لعلاقة الأمن القومي للوطن بأمن المواطن. فالسفير المنتحر لابد وأن يكون في قمة صفوة المجتمع العربي من جاه ومال. وكان الأحرى به أن يشعر بالأمن وهو على هذه الحال. ولكن الرجل لابد أنه شعر بحالة رهيبة من الضياع وهو يرى أمن بلاده في خطر، وأن أراضيه وأهله أصبحت مستباحة ، وأن الحاضر بتعاسته سوف ينعكس بظلاله الكثيفة على المستقبل المظلم. إن الرجل لم يشعر بأمان ذاتي في ظل أمن قومي مستباح… فانتحر”.
السفير د. عبد الله الأشعل يقول تعليقا على قصة السفير القطري المنتحر إن الأجيال العربية السابقة كانت ذوي حمية ومروءة وأكثر حرصا على العروبة من الآن، مشيرا إلى أن القصة دالة وبها عبرة لكل معتبر.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما السبب في كل هذا الموات الذي باتت عليه الأمة رغم كل تلك المآسي والأهوال في غزة ، وإبادة يراها العالم صوتا وصورة؟
وإذا كانت المواقف الرسمية العربية مخيبة للآمال، فأين هي المواقف الفردية التي يقدرها الله والناس والتاريخ؟