د. محمد عياش: إسرائيل إذ تفقد القدرة الاستراتيجية

د. محمد عياش: إسرائيل إذ تفقد القدرة الاستراتيجية

د. محمد عياش
بالرغم من الأزمات التي تحيق وتحيط بالكيان الصهيوني سواء الخارجية وخوضها سبع جبهات حسب زعم ما يسمى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو الداخلية الأشد خطرا والتي يُشم من خلالها رائحة الحرب الأهلية التي يُحذر منها بعض رؤساء الكيان السابقين مثل ايهود المرت، وإيهود باراك، وبعض الساسة والمسؤولين محذرين نتنياهو بالتلاعب بمصير الكيان وإدخاله إلى المجهول .
إذ لا يمكن تجاهل الحقيقة الساطعة التي تقول من لا يجيد البناء، يجيد الهدم والتدمير، هذه الذهنية المركبة على القتل والتدمير والتنكيل بالشعب العربي الفلسطيني تقفز فوق الأزمات والاضطرابات التي تعصف بالكيان الصهيوني لأول مرة منذ قيامه 1948 ؛ حتى ثبت القول، اتسع الفتق على الراتق أو اتسع الخرق على الراقع، إذ أن هناك بوادر ومؤشرات تتصاعد كل يوم بالتوازي والتواري بالإعلان على مستوطنات جديدة والإعلان عن فتح طرق طويلة والتفافية بالضفة الغربية، الهدف منها قطع الطريق على الفلسطينيين نحو إعلان الدولة وبالتالي تأمين طرق خاصة للمستوطنين، وطرق للفلسطينيين، وبالتالي تقسيم الضفة الغربية إلى أقسام وأجزاء ترتبط فيها فقط ملامح التواصل الاستيطاني من الشمال إلى الوسط، حتى الجنوب، وهذه الملامح مع الزمن تصبح واقع، وبالتالي يبقى على الفلسطينيين العيش ضمن سجون صغيرة متباعدة، وإجراءات عقيمة ومعقدة في حال التنقل والاتصال مع بقية المناطق التي سُتخنق بالحواجز والمحاسيم .
ضم المنطقة (  E1) التي تحيط بالعيزرية وأبو ديس شرق القدس وخارجها أسوارها تحت ما يسمى ( طريق نسيج الحياة )، تعديل حدود بلدية القدس ليضاف لها 3% من أراضي الضفة الغربية من حفر نفق من الشمال إلى الجنوب شرقي القدس ويخترق الأحياء العربية الذي يمر من أمام مداخل مستوطنة معاليم أدوميم في طريقه إلى أريحا، وذلك بعد الاضطرار من دخول طريق رام الله وبيت لحم المعروف ( طريق وادي النار ) إذ يُعد هذا المشروع بمثابة تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين شمالي وجنوبي بحيث تُعدم عملية التواصل الجغرافي ومنع قيام دولة فلسطينية. أما فيما يخص ملف الأماكن المقدسة، لا يزال وزير المالية المتشدد بتسلائيل سموترتش، ينأى بنفسه عنها لالتزامه بفتوى الحاخامية الكبرى بمنع دخول اليهود إلى المسجد الأقصى ريثما يتم استكمال شرط الطهارة المرتبط بالبقرة الحمراء الموعودة .
أعتقد أن إسرائيل فقدت القدرة الاستراتيجية (strategic capability) من خلال استخدامها القوة المفرطة وعدم حصولها على نتائج تحسم المعركة، إذ لاتزال المقاومة توجه صواريخها وقذائفها نحو مدن ومستوطنات الغلاف وحتى أم الربيع ( تل أبيب ) والنقب وبئر السبع في تحدٍ للآلة العسكرية الصهيونية الهمجية، التي لم تميز بين البشر والحجر والشجر، وبالرغم من الوعود الدينكوشتية التي يُطلقها نتنياهو بالنصر الكبير وتحرير الرهائن والقضاء على المقاومة ونفي قادتها إلى الخارج في الوقت الذي تتحدى فيه المقاومة كل هذا الجبروت والطغيان بثباتها وعزيمتها، وإصرارها على إلحاق الهزيمة بهذا الكيان الذي يتصدع ويتأكل شيئاً فشيئا ً .
إسرائيل تعمل بموجب قول عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد، نفعل السيء لكي نتجنب الأسوأ، وهي تدرك أيضا ً أن المقاومة الفلسطينية امتلكت زمام المبادرة وقادرة على فرض الشروط المناسبة والتي تنسجم مع متطلبات الشعب العربي الفلسطيني بالتخلص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وتخشى من امتداد الحرب وقتا أطول لأن ذلك يزيد من تناقص شعبيتها في العالم الذي ينتفض عبر المسيرات التي تستنكر وتشجب الإبادة الجماعية والخوف كل الخوف من تزايد حملات الرفض من قطعات وتشكيلات وقدامى الاحتياط في الجيش والمخابرات ونقابة العمال ( الهستدروت ) المطالبة بوقف الحرب والذهاب إلى صفقة تبادل شاملة وتحميلها نتنياهو وحزبه لتحقيق أهداف سياسية وشخصية .
العنف المنفلت أخلاقيا التي تمارسه إسرائيل سوف ينقلب لعنة عليها إذا لم تحسم المعركة، لأن هناك مؤشرات من واشنطن بدأت تظهر وعلاماتها التململ وعدم الرغبة للأكاذيب الإسرائيلية ، وبالتالي عجزها التام على إخضاع المقاومة وأخذها إلى الاستسلام، وعن جرائمها بحق المستشفيات والمسعفين والخيام وقصف المنازل المأهولة، كلها شواهد تكون مع قادم الأيام دلائل لاتحتاج إلى دليل أو إثبات لدى المحاكم الدولية التي بدورها تتربص من بعيد ، لا سيما القرارات التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت .
الكيان الصهيوني مصاب بكيمياء الدم القاتلة، وهي التي تقتل لمجرد الحركة ولايستثنى منها البشر والحجر والشجر، تريد أن ترسل رسالة للعالم بأنها لا تهزم وأنها فوق القانون والمساءلة، والعالم يجب أن يسير وفق ما تراه والإدارة الأمريكية الحالية، تغض الطرف عن كل جرائمها، وتهدد المحاكم وأي دولة تحاول المساس بالكيان وسلاح العقوبات جاهز ..
تدرك إسرائيل أنها آخر احتلال على وجه الأرض، وبالتالي حقيقة القلق الذي يساورها من الاحتفال المؤجل أو الذي تعمل عليه بمبدأ القوة والحماية من الولايات المتحدة الأمريكية، ممكناً لجهة تمديد عمر الاحتلال المصاب بالزهايمر المتعمد والمقصود، وأنه لا يمكن أن يشذ عن القاعدة الذهبية التي تقول أن الظلم مهما طالت أيامه ولياليه إلى زوال، والعدل صفة الله عز وجل، وحاشى وجدت امبراطورية قامت على الظلم والجور والطغيان، بقيت، لتظل بمثابة متلازمة.
نتنياهو يعيد إسرائيل إلى بدايات الكيان الصهيوني والحديث عن تأثيرات التحولات في طبيعة الهوية الصهيونية من هوية علمانية قومية تعتبر الدين مرتكزا قوميا إلى هوية دينية مشيخانية تعتبر هدف الدولة إقامة الشريعة اليهودية ( الهالاخا ) ومايواكب ذلك من صراعات داخلية صهيونية يهودية لا يمكن تهدئتها أو تأجيلها إلا بفتح صراع صهيوني – فلسطيني تعلو حرارته على تلك الخلافات والصراعات الداخلية .
ثقافة الذاكرة تعمل بنجاح، لاسيما مع تطور العلم والتكنولوجيا وحسابات الخوارزميات التي لا تترك شاردة وواردة فكيف وهي تمتلك صورا وفيديوهات موثقة، فهي أداة لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب، وشهد شاهدٌ من أهله، المتحدث باسم نتنياهو، عمر دوستري يقول، الحكومة الحالية غير قادرة على استرجاع الأسرى عبر الضغط العسكري.
كاتب وباحث سياسي