العربي الحميدي: حين يصمت الدين وتتكلم الجماعة

العربي الحميدي
كان الدين، في بداياته، يشبه صمت الصحراء، وحفيف سعف النخل.
كان همسًا خافتًا يسكن الظلال،
لا يفرض نفسه، بل يوقظ في الإنسان أسئلته الأولى.
كان لحظة صفاء، لا تحتاج إلى تبرير.
لكن شيئًا ما تغيّر…
ظهرت “التقية” كقناع،
وأصبح الإيمان يُقال بلسانٍ مزدوج،
بين نوايا غامضة وأفعال مشوشة.
صار الدين يُستخدم لا ليرفع الإنسان،
بل ليُجمّل رغباته ويبرر طقوس استهلاكه.
أصبح بعض الموردين يُصلّون،
لكن قلوبهم معلّقة بالمقامات،
أيديهم مرفوعة بالدعاء،
لكن عقولهم تراجع نسب الأرباح،
وتفكر في خطط التسويق.
الصلاة هنا مجرّد حركة،
والنية تحوّلت إلى منتج.
اللذة الدينية
هي الوثن الجديد.
تعبّر عن نفسها في الصور،
في الإعجابات،
في الأجساد التي نُزعت منها المعاني،
في اللِّحى والأفكار التي تعلّمت أن تتكلم بلغة الإعلانات، لا التأمل.
أما الدين،
فقد أصبح عند البعض بطاقة عبور إلى حفلة التنميط،
يُباع كمنتج روحي،
تُحرق بخوره في معبد اسمه “رضا الجماعة”.
من الذي سرق التأمل من المصلّين؟
من زرع السوق في المساجد؟
لكنّي
أؤمن أن للدين لحظةً أخرى،
تبدأ حين يرحل الضجيج،
حين تنطفئ أضواء الشهرة،
وينهار المسرح.
في تلك اللحظة،
يمشي الدين وحده،
حافيًا كالحقيقة،
داميًا كالحب،
عارٍ كالنور،
ويبقى.
المرأة كانت صلاة.
لم تكن نصًّا يُتلى، بل سرًّا يُهمس.
كان جسدها يعرف النور قبل أن يُرى،
وكان صوتها يحمل الحكمة قبل أن يُسمع.
لكن حين لبست الجماعة قناع اللذة،
لم ترَ فيها كيانًا، بل فرصة.
صارت المرأة مناسبة، لا شخصًا.
غنيمة، لا تجربة.
قالوا لها: كوني مريم،
ثم عرضوها كبضاعة.
قالوا: كوني خديجة،
ثم دفعوها إلى سباق تمكين لا روح فيه.
قالوا: كوني طاهرة،
ثم جعلوا من جسدها ساحة معركة،
بين وعظٍ فجّ وإثارة.
عندما يُكتب الدين بجسد المرأة،
يصبح سيفًا.
لكن حين تصبح المرأة “سورة”،
دون أن تراها عيون السوق،
ودون أن تُحاصرها شهية الجمهور،
تستعيد صورتها الأولى،
الصورة التي سبقت الحرف،
والتي يتعذّر على الجميع تسليعها.
فليرجع الدين إلى حيث وُلد،
في رحم الصمت،
في عيون النساء الباكيات في الزوايا،
في أنفاس الخائفات من الخطايا،
وفي قلوب من لم يجدن مرآتهن في النص،
لكنهن وجدن في وحدتهن… الإيمان.