يوسف عبدالله محمود: محمد أديب العامري علم من أعلام فلسطين صاحب عنفوان

يوسف عبدالله محمود: محمد أديب العامري علم من أعلام فلسطين صاحب عنفوان

يوسف عبدالله محمود

في مدينة «الساحل الوضاء» يافا الفلسطينية رأى النور عام 1907 مناضل منذ يفوعته. اكتفى بدراسته الجامعية الاولى في الجامعة الامريكية ببيروت حيث نال درجة البكالوريوس في العلوم. ولم يكن هذا الاكتفاء عن قًلىً منه لمواصلة الدراسة، بل لظروف عائلية خاصة مر بها. ومع ذلك بقي محمد أديب العامري كسوبا للثقافة والمعرفة. وقد استطاع ان يعوض عن انقطاعه الدراسي رغم شغفه بالدراسة، بدراسة الحقوق فيما بعد في معهد الحقوق الفلسطيني بالقدس لينال دبلوم الحقوق الذي كان يبيح لحامله ممارسة مهنة المحاماة.
امتد نشاط محمد أديب العامري الى كثير من المجالات الثقافية وغير الثقافية. حارب الاستعمار البريطاني والصهيوني منذ كان على مقاعد الدراسة، ترأس الكثير من المؤتمرات الوطنية التي نددت بالسياسة الاستعمارية في وطنه فلسطين. وفي عام 1929 حين اندلعت ثورة عارمة في فلسطين سميت بثورة البراق اصدر المستعمر اوامره باعتقال هذا المناضل الشاب آنذاك، مما اضطره للجوء الى الاردن. وفي الاردن ظل العامري مشدوداً الى مسقط رأسه. حرّ في نفسه ان تغدو ارض النبوات «فلسطين» مرتعاً لشداد الافاق من الصهاينة الذين تطاولت افتراءاتهم على هذه الارض الطاهرة فزعموا – وهم كاذبون – انها «ارض الميعاد» التي خص بها الله الاسرائيليين يسخر هذا الباحث من تلك المزاعم الكاذبة.
وحتى يرد بموضوعية على هذه المزاعم الخبيثة راح العامري يوقف «عروبة» فلسطين وزهرة المدائن «القدس» معتمداً على الوثائق والحفريات التي تؤكد عروبة هذه البلاد. وفي توثيقه يسوق ما ذكره مؤرخون قدماء أجلاء منهم برستد الذي يذكر «ان العبرانيين حين دخلوا فلسطين وجدوا فيها الكنعانيين يقيمون في مدن زاهرة تطوقها الأسوار الضخمة فلم يستطيعوا ان يفتحوا منها الا المدن الضعيفة، حتى اورشليم (القدس) هزأت بحملات مهاجميها العبرانيين بضعة قرون. (برستد ص 155 Kenyon, Argh, in The Holg lans, P. 702 ثم انظر «محمد أديب العامري» عروبة فلسطين في التاريخ ص 123 منشورات المكتبة العصرية – بيروت)
ويقارن هذا الباحث بين الهجوم البربري القديم على فلسطين التي كان يسكنها اليبوسيون الفلسطينيون والذين ظلوا صامدين على ارضهم رغم استيلاء العبرانيين انذاك على بعض اجزاء من فلسطين، وبين «الاساليب الهمجية» التي اتبعها الاسرائيليون في احتلال فلسطين اليوم بمساعدة الامبريالية العالمية وفي توثيقه العلمي يشير هذا الباحث «ان الوثائق الاثرية الحديثة والدراسات تدل علي ان العبرانيين المذكورين في التوراة هم جماعة من «العبيرو» Habiro وان نسبة الجنس السامي يهم ضئيلة. (المرجع السابق ص 126)
ويستمر في استعراضه لأقوال بعض المؤرخين الأجانب التي تدحض مزاعم الاسرائيليين او اليهود، فيقف عند قول جون برايت من ان العبرانيين يتألفون عن عناصر ذات اصول مختلفة للغاية. أما نوث فيقول «ان اليهود ظاهرة فريدة بين الامم التاريخية الاخرى، وانه لا يمكن اطلاق معنى الامة عليهم، وانهم يرجعون الى اصول متنوعة جداً. وهو يوحد ما بين العبرانيين و«العبيرو» و«العبيرو» وفق ما يشير اليه بعض الباحثين ومنهم د. كنيون «لا يمكن الاعتراف بهم كجماعة تنتسب الى جنس (عرق) واحد لأننا لا نرى لهم اسماء خاصة تدل عليهم». (المرجع السابق ص 127)
قلت ان محمد أديب العامري تناول نشاطه الفكري مجالات مختلفة لم يغب عنها النشاط الادبي، ففي كتابه «شعاع النور» نعثر فيما نعثر على بعض القصص القصيرة: قصة (فقير) وقصة (بين الحرمين) وقصة (صوم دائم) و(شعاع النور).
وقد وصف الاستاذ د. هاشم ياغي هذه الأقاصيص بأنها «رومانسية رشيقة وبارعة تطفح بالاتجاه الايجابي». (د. هاشم ياغي – محمد أديب العامري» نشرته رابطة الكتاب الاردنيين 1979 ص 18)
وقد أصاب د. هاشم ياغي حين لم «أبعاداً طبعية اجتماعية فسيحة في هذه الأقاصيص».
ولعلنا نلحظ هذا «الملح» اول ما نلحظه من عناوين هذه القصص «فقير» «صوم دائم «ثراء وشرف». «شعاع النور». ففي قصة «شعاع النور» نلحظ هذا الحس الطبقي واضحا من خلال الحوار الذي يدور بين «جميلة» وأمها.
«… وكانت تجلس الى جوار ابنتها جميلة ي سكون آخر ذلك النهار حين شقت الابنة ذلك السكون قالت: أليس الافضل ان نموت يا أماه؟
– لم يا ابنتي، لماذا تتحدثين هكذا؟ سمعتك تقولين ذلك مرة من قبل. ألا يجب ان نعيش يا ابنتي. ألا نستحق الحياة؟ (شعاعا النور: ص 38)
وكما نرى فتساؤل الأم يدل على «التفاؤل» رغم نكد الحياة الذي تعيشه مع ابنته الوحيدة وهو يتفاءل «تؤكده مسيرة هذا المثقف والباحث محمد أديب العامري. ومن خلال قراءتنا لهذه القصص على قلتها نكتشف -وكما لاحظ د. هاشم ياغي- انها جميعها «كأنها فصول من قصة واسعة في الحياة».
أما عن المجالات الاخرى التي عمل العامري فيها، فهي متعددة ، فمن مدير للاذاعة الاردنية الى وكيل لوزارة الانشاء والتعمير، الي رئيس لديوان الموظفين لدى انشائه عام 1955، وبعد نكسة 1967 عُين وزيرا للخارجية ورئيس وفد الاردن الى دورة الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة ثم سفيرا للأردن في الجمهورية العربية المتحدة 1968، ثم وزيرا للتربية والتعليم فوزيرا للثقافة والاعلام الى ان استقال من العمل الوزاري عام 1969 ليعكف على الكتابة والتأليف. أما موته فله قصة. فقد مات في تشيكوسلوفاكيا في كانون الثاني عام 1978 وهو يشارك في مؤتمر دعاه اليه الكتاب التشيكيون لتوثيق العلاقة مع رابطة الكتابة الاردنيين وقد أحسن د. هاشم ياغي وصف هذه الميتة حين قال: «لقد مات ميتة الفارس في الميدان».
رحم الله محمد أديب العامري الذي كان علواً في حياته وفي مماته.

[email protected]