ا. د. هاني الضمور: ختم المساواة بين الجنسين: الوجه الآخر للنفاق الغربي وتفكيك المجتمعات

ا د هاني الضمور
في عالم طغت فيه الصورة على الحقيقة، وأصبحت القيم الإنسانية تُستخدم كأدوات سياسية، لا يمكن النظر إلى ما يُعرف بـ “ختم المساواة بين الجنسين” إلا كواحد من تجليات هذا التناقض الفاضح. إنه ليس أكثر من قناع زائف، يُمنح لمن يرضخ للخطاب الغربي ويُجمّل واقعه بالتقارير المعلّبة، في حين أن المساواة الحقيقية تبقى بعيدة المنال. فالختم الذي تُروّج له المنظمات الدولية والدول الكبرى لا يعكس واقعًا عادلًا بقدر ما يعكس رغبة في فرض نموذج محدد، يُصادر الخصوصيات الثقافية ويسعى لتعميم قيم لا تمتّ للعدالة بصلة.
بينما تدّعي هذه القوى أنها حامية لحقوق المرأة، نرى كيف أنها في الوقت ذاته تمارس أبشع صور الاستغلال ضد النساء في أوطانها. الحرية التي تُباع في أسواق الغرب لم تكن يومًا مطلقة أو حقيقية، بل مشروطة بالخضوع لنظام استهلاكي مادي، يجعل من المرأة سلعة تُقاس بجسدها لا بوعيها. الواقع في شوارع باريس وضواحي نيويورك لا يحتاج إلى تزييف: آلاف النساء يعشن في خوف دائم، مهددات بالعنف، محاصرات بثقافة تحوّل أنوثتهن إلى عبء وتصور أمومتهن كقيد يجب التخلص منه.
وإذا كان هذا هو حال المرأة في تلك المجتمعات التي تملأ الدنيا ضجيجًا عن حقوق الإنسان، فكيف يُعقل أن تكون هذه الدول هي المرجع الذي يمنح الآخرين أوسمة في المساواة؟ فاقد الشيء لا يعطيه، لكنهم يتجاهلون هذه القاعدة. بدل أن يلتفتوا إلى جراحهم الداخلية، يمضون في تصدير شعاراتهم إلى شعوب أخرى، يسعون لتشكيل وعيها وفق أنماطهم، ويبثّون في المرأة العربية مشاعر التمرد تحت مسميات خادعة مثل “التمكين” و”التحرر”.
ليس من قبيل الصدفة أن تتحول هذه الشعارات إلى أدوات تفكيك، تستهدف الأسرة، وتزرع في عقل المرأة أن نجاحها لا يكتمل إلا إذا تمردت على والدها، وخاصمت زوجها، وتخلّت عن أمومتها. إنها عملية ممنهجة لضرب النسيج الاجتماعي، تبدأ من زعزعة ثقة المرأة بنفسها وهويتها، ولا تنتهي إلا بإنتاج نماذج مشوّهة تُعادي قيمها باسم التقدّم. الأخطر من هذا كله أن الجرائم التي تُرتكب بحق المرأة في الغرب تُخفى خلف تقارير باردة، أو تُقدّم للعالم بأقنعة منمقة، بينما يُراد لفتاتنا العربية أن ترى في تلك النماذج قدوة، وفي تلك المسارات خلاصًا.
المرأة العربية لا تحتاج إلى دروس مستوردة لتنهض، ولا إلى أختام زائفة تمنحها شرعية النجاح. هي تعرف أن قوتها في علمها، وفي إيمانها، وفي مكانتها التي كفلها لها دينها، لا في ترديد شعارات تحوّلها إلى كيان غاضب يبحث عن عدو لا وجود له. الغرب الذي يدّعي حمايتها عليه أولًا أن ينقذ نساءه من التشرد، من تجارة الجسد، من الاستغلال الإعلامي، ومن قوانين تظلمهن كل يوم. أما نحن، فواجبنا أن نحمي وعينا، وأن نرفض كل ما يُفرض علينا تحت عباءة الحقوق، لأنه لا حرية في التخلي عن الذات، ولا مساواة في تكرار نماذج مريضة.
من يملك الضمير لا يمكنه أن يتاجر بقضية عادلة ليزرع بها الفتنة في غيره. وإذا أراد هؤلاء فعلاً أن يكونوا دعاة للعدل، فليبدأوا بتنظيف بيوتهم، لأن العالم لم يعد يصدق هذه الأقنعة، والتاريخ لا يرحم من يستغل الألم ليبني على أنقاضه وهمًا جديدًا.
كاتب اردني