حماد صبح: الأعداء الذين تريد إسرائيل الانتصار عليهم

حماد صبح: الأعداء الذين تريد إسرائيل الانتصار عليهم

حماد صبح
اتخذت إسرائيل منذ بداية الحرب استعادة أسراها ستارا صفيقا للتغطية على هدفها الحقيقي من هذه الحرب. ويبدأ هذا الهدف بتهجير مواطني قطاع غزة، وإتباعهم بمواطني الضفة وفلسطينيي الداخل المحتل يقينا مطلقا منها بأن لب الصراع بينها وبين الفلسطينيين هو الوجود البشري في هذه الأرض . وعصف بها الهلع حين تفوق لوجود الفلسطيني فيها على الوجود اليهودي رغم تطعيم هذا الوجود بمهاجرين ليسوا يهودا غضت العين عن عدم يهوديتهم ، فالتقطت سانحة السابع من أكتوبر لإنقاذ نفسها من نهاية الصراع بين الوجودين التي أيقنت أنها ستكون المغلوبة فيها.
وطوال الحرب تضاربت بيانات المسئولين فيها بمن فيهم نتنياهو حول قضية الأسرى: هل استعادتهم هي الهدف الحقيقي للحرب أم أنها وسيلة لهدف أبعد ؟!وبعد بدء الحرب بثلاثة أشهر تقريبا قال نتنياهو إنه يريد استعادتهم فحسب، والانسحاب من غزة بعدها . وتوالت التضاربات والتناقضات في بياناته وإن وصحفيها أن استعادة الأسرى ليست سوى ستار صفيق للهدف الإسرائيلي الحقيقي من الحرب، ورسخت المفاوضات المتطاولة حول استعادتهم دون إنجاز هذه الاستعادة كاملة حقيقة ذلك الهدف.
واختفى من وعي الجميع بمن فيهم الإسرائيليون زيف الوهم الذي رسخ طويلا، وحرصت إسرائيل على ترسيخه، في شأن ولعها المسرف باستعادة أسراها بأي ثمن مهما ارتفع وصعب، وآخر شاهد على هذا الولع استعادتها للجندي الفرنسي الأصل شاليط في 2011 في صفقة تبادل تحرر فيها 1 027أسيرا فلسطينيا. تلكؤها هذه المرة في استعادة أسراها، فوق كشفه عن هدف الحرب الحقيقي، بين أن حرصها على الإنسان فيها ما كان سوى أكذوبة نجحت نجاحا خالصا في تزويقها وتسويقها لإغواء مستوطنيها بالبقاء فيها وجلب الجديد منهم.
حرص وظيفي لا إنساني. وعرى ما قاله نتنياهو أمس، وأكتب صبيحة الجمعة، هدف إسرائيل الحقيقي من هذه الحرب دون أي غموض أو تستر. قال – فض فوه – : “نحن نريد استعادة ال 59أسيرا إلا أن للحرب هدفا أسمى هو الانتصار على أعدائنا”. وفي التحليل النفسي لكلامه نلحظ أنه قال “الأسرى” ولم يقل أسرانا، ولهذا دلالة على قلة أهميته في نفسه واهتمامه. إنهم وسيلة لهدف لا هدف قائم بذاته . وأعداء نتنياهو وأعداء إسرائيل هم كل العرب والمسلمين ، وفي مطلعهم بحكم الواقع الجغرافي والسياسي الفلسطينيون. وكيانه العدواني الصغير الذي يتوكأ على عكاز أميركي و أوروبي، وعكاز عربي إسلامي لا يفرق بين كل أولئكم الأعداء. والقضية قضية أولويات وتوقيت . الأولوية والتوقيت الآن للتخلص من العدو الفلسطيني بصفته داخل البيت وفي الوجه ، ولا سبيل للانتقال للأعداء اللاحقين إلا عقب التخلص منه.
وهذا يشرح ضراوة وعنف ووحشية القتل والتدمير اللذين تنفذهما إسرائيل في قطاع غزة حرة اليد مطمئنة القلب . وفوق القتل والتدمير الشامل المتنوع تمنع دخول المعونات والبضائع التجارية منعا أنفد من القطاع أكثر السلع الحيوية الأساسية ، وصعد أسعار القليل الموجود منها تصعيدا قل معه كثيرا عدد القادرين على اشترائها. كل ما هو مألوف وأساسي للحياة يختفي من قطاع غزة. إبادة كاملة للحياة والبشر.
فظائع ومهولات لا يجترمها سوى كيان يائس متوحش يتكىء على قوة سواه  الحرب في قطاع غزة حرب نكون أو لا نكون، نحن أم عدونا ؟! إسرائيل تتصرف بمقتضى هذه الحقيقة، فلنتصرف نحن بمقتضاها لتكون لنا الغلبة في النهاية. والعرب والمسلمون مكلفون شرعا من عقيدتهم بالوقوف الصادق مع قطاع غزة، مع فلسطين. هذا وقوف مع أنفسهم حالا ومستقبلا.
 وهم يملكون سائر وسائل الانتصار في هذه الحرب، وإسرائيل لا تملك منها شيئا سوى وقوف الغرب معها وقوفا صادقا مطلقا، ومشاركة كثير من الأنظمة العربية والإسلامية في هذا الوقوف مخالفة لإرادة شعوبها وانتمائها القومي والإسلامي . الحرب على قطاع غزة وفلسطين حرب على كل العرب والمسلمين، وكلهم أعداء تريد إسرائيل الانتصار عليهم وإن لاينت وخادعت بعضهم مؤقتا، فدورهم في ملفها الأسود آتٍ في وقته الملائم. إنهم الأعداء الذين يقصدهم نتنياهو ، وتقصدهم إسرائيل كلها.
كاتب فلسطيني/ غزة