نزار القريشي: كيف تم إقصاء “القاهرة” من دورها المحوري؟ بدور جديد تقوده “المملكة المغربية”.. ولماذا؟

نزار القريشي
على هامش المناورات، التي أجراها الجيش المصري تواليا، مع الجيش الصيني، وبعده مع الجيش الروسي، حيث تأكد بعد التحليل العسكري لهذه المناورات، طابعها العام المتعدد الأبعاد، حيث شملت تدريبا على صد هجمات جوية و بحرية و برية، تتزامن و الوضع المشتعل ما بين غزة و البحر الأحمر و شرق المتوسط، لتتضح مع ذلك رغبة “القاهرة”، في إرسال رسائل خاصة للعديد من دول الإقليم، في ظل وجود حلف “الناتو” بتركيا، و القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى”سنتكوم” التي تغطي الإقليم برمته ، و في ظل أيضا التمدد الجاري للجيش الإسرائيلي نحو الحدود الجنوبية لإسرائيل الكبرى بالقرن الإفريقي، ليتضح أن مناورات “نسور الحضارة”، كشفت عن تطورات إقليمية متشعبة و نية الجيش المصري بالانخراط فيها، وهو أيضا ما سيؤثر على الاستراتيجيات الدولية الخاصة بالمنطقة، مع طرح نقاش حول إعادة النظر في الأحلاف المستقبلية ، التي تؤدي لبلوغ الأهداف، و رسمها للخرائط الجيوسياسية الجديدة التي ينتظرها العالم.
لذلك، أكد استعمال المقاتلات الصينية، من طراز جي 10 و جي 20 ، في مناورات “نسور الحضارة”، التي تحاكي معارك افتراضية بحرية و برية وجوية، في ظل أوضاع إقليمية غاية في توتر، خاصة و الصراع العسكري بين ” حماس” و الجيش الإسرائيلي، و في ظل أيضا مواجهة الأسطول الأمريكي لجماعة الحوثي بالبحر الأحمر، وبعد استدعاء الجيش المصري الأسطول الروسي للمياه البحرية المصرية، اتضحت رغبة ” البنتاغون” حسب ما تسرب عن استخبارات إم أي 6 البريطانية، في استبدال دور ” القاهرة ” المحوري، بدور محوري جديد تديره” المملكة المغربية”، في ظل العلاقات التاريخية و الإستراتيجية المتقدمة التي تجمع بين واشنطن و الرباط من جهة، و ما بين الرباط و باريس و لندن من جهة أخرى، وهو ما تدعمه استخبارات “أمان” بعد الكشف عن وجود صواريخ ” واي جي 38 ” بالجزائر، وهو أيضا ما تربطه شعبة الاستخبارات داخل الجيش الإسرائيلي، بالتفاهمات السرية غير المعلنة بين الجيشين المصري و الجزائري، إذ هذا ما دفع بالجيش الإسرائيلي لطلب استدعاء سلاح ” الهــارْبْ ” و المقاتلة الأمريكية الحديثة من الجيل السادس ” إف 47 “، من البنتاغون إلى الشرق الأوسط، وهو ما تستطيع به إسرائيل تجاوز الإمكانيات التي أبانت عنها مناورات ” نسور الحضارة”، وهو أيضا ما سينتقل الصراع بشأنه إلى القرن الأفريقي، لأن المخابرات الحربية المصرية، جادة في عرقلتها لترسيم خريطة الحدود الجنوبية لإسرائيل الكبرى؛ مما سيزيد من حجم الدعم الإسرائيلي الذي تقدمه تل أبيب لأثيوبيا و إريتريا في مواجهة الوجود المصري بأرض الصومال، و الذي سينطلق وفق تكتيك جديد من جزيرة “سقطرى” عبر خليج عدن و باب المندب. إلى ذلك، هذا ما سينعكس على الوضع داخل السودان، إذ تدعم أبوظبي و تل أبيب قوات الدعم السريع في مواجهة الجيش السوداني المدعوم من الجيش المصري، وهو ما ينذر بقيام دولة “دافور” التي من المحتمل أن يرأسها محمد حمدان دقلو “حميدتي” بدعم سياسي قبائلي يتزعمه عبد الله حمدوك، غير أن التشويش على الجيش المصري قد يطال من جديد حدوده الغربية عبر تطورات محتملة على الساحة الليبية، لذلك إن الوضع بالقرن الأفريقي، لا ينفك في تعقيداته عن الوضع بمنطقة الصحراء الكبرى و الساحل في ظل التفاهمات السرية المصرية-الجزائرية، غير أن قرار ترحيب دول اتحاد الساحل بالمبادرة الأطلسية التي أطلقها العاهل المغربي محمد السادس، بفتح منافذ الأطلسي بوجه هذه البلدان، انطلاقا من موانئ الصحراء المغربية، هو ما سيفك العزلة عنها، و يؤسس لعلاقة إستراتيجية متقدمة بين الرباط و نواكشط، بدأت ملامحها في التشكل بعد زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني للمغرب و استقباله من طرف العاهل المغربي ، حيث تتوافق هذه المقاربة مع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “سيدياو” عبر أنبوب الغاز بين نيجيريا و المغرب ؛مما يتوافق مع الرؤية الحكيمة للمملكة المغربية الخاصة بالقارة الأفريقية ومسار نموها و ازدهارها و أمنها، إذ يتجلى ذلك في القدرة الفائقة و الحازمة للمديرية العامة للدراسات و المستندات عبر إسناد المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، في صد الأعمال الإرهابية العابرة للقارات، و تأمين الطرق البرية و البحرية للتجارة العالمية المرتبطة بمسالك بالمنطقة، من غرب المتوسط نحو العمق الأفريقي، وهو ما تدعمه باريس و لندن، و يؤهل الرباط للعب دور محوري بالقارة، بعد إقصاء القاهرة من دورها السابق عربيا و أفريقيا، وهو ما يؤكده الدعم الذي تقدمه المملكة المغربية لمبادرات الرياض و أبو ظبي في إدارتهما للموقف العربي المنطلق من الشرق الأوسط، و هو ما تتوافق بشأنه تقديرات استخبارات ” دي أي إيه” للموقف مع رؤية ” سي أي إي”، بشأن تفضيل الرباط على القاهرة؛ مما يعزز من قدرات الجيش الملكي المغربي عبر التنسيق مع ” أفريكوم” و مناورات الأسد الأفريقي الدورية، وهو ما يمتد آثره من المغرب عبر البريطانيين بجبل طارق إلى “أكوم”، بإيطاليا ليصل مدى هذا التعاون لشرق المتوسط حيث “سنتكوم” و القواعد الأمريكية و البريطانية و الفرنسية هناك، وهو ما يرى معه الجيش الأمريكي دعما حيويا في غلق البحر الأبيض المتوسط من غربه لشرقه في وجه الجيش الصيني والجيش الروسي و أنشطتهما العسكرية و الإستخبارية المعادية له، وهي رؤية خلص إليها البنتاغون بعد مناورات “نسور الحضارة”، والتي كانت اختبار حقيقي أوضح حقيقة العلاقة بين مصر و البنتاغون وزاد من عناصر الشك حولها؛ مما تطلب منه إعادة ترتيب أوراق المنطقة، و فق تطوراتها الأخيرة، بتأمينه لوضع محوري للمملكة المغربية كضرورة ملحة تضمن استمرار خدمة المراحل القادمة، في ظل أي تطور محتمل بغرب أفريقيا و منطقة الصحراء الكبرى و الساحل، لأن وجود الفيلق الروسي بشرق ليبيا و الصحراء الكبرى، قد يرتبط بأي تطور ينتقل منه الصراع من الساحة الأوكرانية، إلى ساحة جديدة قد تواجه فيها الكتلة الغربية الجيش الروسي في دورة جديدة من الصراع قد يكون عنوانها الأبرز هذه المرة ” المحيط المتجمد الشمالي” لما يزخر به من ثروات طبيعية، وفي انتظار مثل هذا التطور تبقى أسبابه مفتوحة على شتى الاحتمالات.
صحافي مغربي
متخصص في شؤون الأمن و الاستخبارات