“كان عنّا رئيس نخاف منّو.. صار عنّا رئيس يخاف معنا”.. لماذا أسند الشرع لوالده الرد على قصف إسرائيل “مُحيط قصره” وكيف سيختلف رد “سورية الجديدة”؟.. هل بدأ “الجولاني” يفقد حاضنته مع تصاعد “استقواء الأغراب” وأين حليفه التركي وهل تُنقذه “ورقة المُقاومين”؟

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
“كان عنّا رئيس نخاف منّو”، صار عنّا رئيس يخاف معنا”، هذه جملة كتبتها إحدى الصفحات السورية تفاعلًا مع القصف الإسرائيلي الذي طال كل سورية ليلة أمس، وهي عبارة قد لا تكون مدحًا بحق نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بقدر ما هي نقد حاد بحق نظام حكّام دمشق الجدد، وعلى رأسهم الانتقالي أحمد الشرع، وعدم قدرته على حماية السوريين “الذي بات يخاف معهم”، بغض النظر عن جدل مقدمه المُستجد إلى حُكم سورية، ما يُعفيه من ملامة عدم القدرة على حماية سورية، فالأخير فرّط مثلاً بمُقدّرات الجيش العربي السوري، وتركها للقصف، وكأنها مُقدّرات شخصية تعود للأسد.
وشنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية أكثر من 20 غارة استهدفت مراكز عسكرية في جميع أنحاء سوريا ليل الجمعة السبت، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي وصف الغارات بـ”العنيفة”.
وفي حين كانت التقارير الإعلامية تتحدّث عن مُغادرة الشرع للقصر الرئاسي ليلة أمس تجنّبًا للاستهداف الإسرائيلي، حيث رسائل تحذيرية مُوجّهة له شخصيًّا، ظهر والد الشرع (حسين)، ورد على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مُحيط قصر الشعب بدمشق، ولافت أن حسين الشرع هدّد الاحتـلال الإسرائيلي، مؤكدًا أن “سوريا الجديدة” لن تصمت كما كان الحال سابقاً، مُتّهمًا تل أبيب بمُحاولة استغلال الطائفة الدرزية لتبرير هجماتها.
وفي منشور عبر “فيسبوك”، وصف الشرع مزاعم الاحتلال بأنها “انتهازية سافرة”، مُشيرًا إلى أنّ مكوّنات الشعب السوري، من دروز وعلويين وكرد، لا تحتاج لوصاية أحد، متسائلاً إن كانت الهجمات تهدف لحماية الدروز أم لتنفيذ أجندات أكبر كتفكيك المنطقة.
واختتم الشرع بالتأكيد على أن سوريا ستُدافع عن أرضها رغم ضعف الإمكانيات، مُعوّلاً على “الإنسان السوري المُقاوم” الذي صمد في وجه الجوع والحصار طيلة 14 عامًا، ومن غير المعلوم كيف ستُدافع سورية الجديدة عن نفسها بدون سلاح، تساءل السوريون الذين سهروا ليلة أمس على وقع الغارات الإسرائيلية على بلادهم.
وتُطرح تساؤلات حول لماذا أُسند تهديد “سورية الجديدة” بأنها لن تصمت كما “سورية القديمة” إلى والد الشرع، ولماذا لم يتبنّ الشرع نفسه الرد الكلامي على القصف الإسرائيلي الذي وصل إلى جانب باحة “قصره”، فيما كان يؤكد المتحدّث باسم الجيش للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، في منشور على إكس بعد الغارة الأولى، إنّ “طائرات حربية أغارت قبل قليل على المنطقة المجاورة لقصر أحمد حسين الشرع في دمشق.
وفي ظل تساؤلات حول فقدان الحاضنة الاجتماعية رويدًا رويدًا التي يستند إليها الشرع بعد “تحريره” المُفترض لسورية، مع إخفاقه “الدموي” في أحداث الساحل السوري وقتل العلويين، وإخفاقه الثاني بحماية الدروز من فصائل إسلامية مُتشدّدة ثارت لمقطع فيديو أساء للنبي محمد الأكرم نتج عنها أحداث جرمانا وصحنايا، حيث شهدت سورية مُنذ أيام اشتباكات دامية في ريف دمشق، أسفرت عن مقتل وجرح العشرات في أحداث اندلعت بداية في مدينة جرمانا بريف دمشق ثم امتدت إلى منطقة صحنايا، وأدّت لتدخل إسرائيل بالقصف الجوي بزعم حماية الدروز، ظهر حساب منسوب للشرع، وكتب قائلًا: إن فُرضت علينا الحرب جعلناها كصلاة العصر، لا شفع فيها، ولا وتر”، وهذه عبارة شعبية احتفى بها أنصار الشرع، ولكن تبيّن لاحقًا بأن الحساب لا يعود للشرع، حيث لم يُعلن عن حساب رسمي يحمل اسمه، بل حساب يحمل اسم “رئاسة الجمهورية العربية السورية”.
وبعد ليلة الغارات، والإهانة الإسرائيلية للسيادة السورية، أصدر الجيش الإسرائيلي، اليوم السبت، بياناً أعلن فيه أن قواته قامت بالانتشار في جنوب الأراضي السورية، وذلك في تصعيد ميداني هو الأحدث ضد نظام الشرع، بزعم حماية الدروز، كما قامت وحدات من الجيش الإسرائيلي بالفعل بإجلاء “خمسة مواطنين سوريين من أبناء الطائفة الدرزية لتلقّي العلاج الطبي داخل إسرائيل”.
أين تركيا؟.. هذا تساؤلٌ مطروح، في ظل تبدّل تحالفات النظام الجديد في دمشق مع أنقرة، حيث غابت الأخيرة فيما يبدو عن مشهد ليلة الغارات، فيما كان صرّح الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، في آخر تصريحات له على متن الطائرة أثناء عودته من إيطاليا (من يومين) بأنّ “هجمات إسرائيل مُحاولة لعرقلة الإدارة الجديدة في سوريا. وحدة الأراضي السورية بالنسبة لنا أمر لا يمكن التنازل عنه، ولن نسمح بفرض أمر واقع”، فيما لا يغيب عن أحد أن تل أبيب تسعى علنًا لإضعاف مركزية دمشق الجديدة، الضعيفة أساسًا، وتقسيم سورية إلى دول طائفية صغيرة مُتناحرة.
ولا يبدو أن إعلان الشرع رغبته في التطبيع مع إسرائيل، يُساهم في درء مخاطر نواياها لإضعاف “سورية الجديدة” أو القضاء عليها تمامًا، لذلك يبحث الأخير عن أوراق أخرى قد تجذب اهتمام واشنطن وتل أبيب معًا، فبعد ليلة الغارات العنيفة التي حملت رسائل للشرع، سارع جهاز أمن عام الأخير اعتقل، اليوم (السبت)، الأمين العام لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامّة” طلال ناجي، في خطوةٍ تعد الثانية من نوعها بعد اعتقال قياديين اثنين في حركة “الجهاد الإسلامي” الشهر الماضي، وهُما خالد خالد، وأبو علي ياسر.
توحّد السوريون ضد العدوان الإسرائيلي، وإدانته، على اختلاف طوائفهم، وخرجت تظاهرات هُنا، وهُناك تؤكد على عدم حاجتهم لحماية دولية أيًّا كانت، ولكن السُّؤال الكبير والذي يبقى مطروحًا، متى يستطيع الشعب السوري فعلًا العودة للتعايش السّلمي في ظل نظام كان جهاديًّا، يرفع شعار “بني أميّة أصلهم ذهب”، والذي كان (التعايش) قائمًا على الود والمحبّة، والتآخي والتراضي قبل “ثورة 2011″، دون سُؤال السوري أخيه السوري: “شو دينك؟”، أو كما قال الفنان السوري سميح شقير في أغنيته الوطنية الأخيرة (مُعارض لنظام الأسد): “يا خسارة الإيّام، وقت اللي كنّا ما نسأل، جيرة وأهل وأحباب، وما كان في أغراب تستقوي على الأعزل”!