علي وطفي: هل يتحول الردع النووي إلى ضرورة دفاعية

علي وطفي
بعد هجوم دموي في كشمير ، ارتفعت حدة التوتر بين الهند و باكستان بعد هذا الهجوم الذي نفذه متمردون موالون لباكستان في كشمير في 22 نيسان أسفر عن مقتل 26 هنديا و قد ينذر بخطر انفجار عسكري كبير كون كلا البلدين يملكان أسلحة نووية.
المؤكد ان الدولة الباكستانية لم و لن تتمكن من تحقيق نصر عسكري.و علاقة متوترة تخللها العديد من المعارك و الحروب إلى ان اصبحت الباكستان على يقين انه عسكريا هناك استحالة في النصر منذ بدا الصراع على مقاطعة كشمير لذلك اعتمدت ضد الهند استراتيجيتين : الأولى- هو أن تصبح قوة عسكرية نووية مثل الهند و تحقق ذلك لها بدعم امريكي خلال الحرب الباردة بهدف احداث التوازن مع الهند و الضغط على الاتحاد السوفيتي حيث تمتلك كل منها 200 رأس نووي.
الثانية – تنتهج باكسان استراتيجية غير متكافئة، حيث يشجعون بشكل غير رسمي الإسلاميين المتطرفين و الحركات الانفصالية في المناطق ذات الأغلبية المسلمة في الهند و خاصة في مقاطعة كشمير حيث تحدث بشكل دوري هجمات (جهادية) تقودها أو تساندها باكستان، و ايضا تقوم إسلام آباد بتمويل أنشطة حركة طالبان* و تنظيم القاعدة* التي ينشط بشكل أكبر في الهند و خاصة في كشمير، حيث أصبح الهنود هدفاً لهجمات جماعية مميتة .كل هذا قد ينتهي بشكل سيء لأن الهند لا تريد أن تتحمل هجمات وراءها باكستان بشكل دائم و ابتزازها النووي إلا ما لا نهاية. لذا هناك خطر حقيقي لاندلاع الحرب و قد تصل الهند إلى مرحلة ما لن تستطيع أن تسمح لباكستان بالاستمرار بهذه الاستراتيجية و لو بذريعة الخوفً من اندلاع حرب و قد تقوم نيودلهي بتوجيه ضربة قوية دقيقة و محدودة فالهند تدرك ضعف باكستان المزدوج ، فهي أضعف بكثير من الهند عسكرياً في حرب تقليدية و أيضاً من الناحية الاقتصادية و لذلك في حال تعرضها لهجوم من الهند قد تكون باكستان البادئ في ان تستخدم الأسلحة النووية دفاعا عن النفس و هذا سيناريو حقيقي و في الوقت ذاته تدرك نيودلهي أنها ستضطر إلى التدخل بطريقة مدروسة و محسوبة للغاية حتى لا تتجاوز عتبة استخدام الأسلحة النووية و من ثم، فإن خطر اندلاع صراع نووي يبقى قائم، و لكن من غير المرجح أن يتفاقم الوضع إلى هذا الحد .
السؤال هل يمكن لدولة ثالثة التدخل في الوضع و العمل كوسيط؟ مثل بريطانيا ، واشنطن ، الصين المجاورة أو روسيا
اعتقد ان بريطانيا خارج الخيارات و هذا أمر غير وارد. و لا يمتلكون الأدوات و النفوذ اللازمة أصلا ، خاصة أنهم بدرجة ما رهائن مجتمعهم (المهاجرين الباكستانين) الكبير في بريطانيا و المؤثر للغاية. مثل حال تأثير الجزائريين في فرنسا إلى حد ما والخوف من الاضطرابات في في بريطانيا ، اما الولايات المتحدة فهي تميل اكثر إلى جانب الهند بسبب المصالح الإقتصادية و حتى التسليحية و لن يدخلوا في صراع كبير مع باكستان حاليا ربما قد يؤججون اذا وجدوا مصلحة في ذلك في إطار استنزاف الصين في المعركة لان الباكستان تشكل قنبلة موقوتة حقيقية و قد تقع تحت سيطرة الجهاديين.
أما الصين خرجت بمواقف دعم لباكستان لاهداف معروفة و تاريخية في علاقاتها و المنافسة في المنطقة مع الهند و لكن بلاشك لن تخاطر بكين بمحو إحدى مدنها من الخريطة من أجل عيون الباكستانيين الجميلة علماً ان التحالف الصيني الباكستاني لا يزال قوياً جداً و الهند ليست نداً له.
في واقع الامر ربما روسيا قد تكون القوة الوحيدة القادرة على لعب دور الوسيط و السعي للتوفيق بين الجانبين لأنها تتمتع بعلاقات جيدة جدآ مع كل من باكستان و الهند . بالمناسبة روسيا هي التي سعت و ادخلت الهند إلى مجموعة ” البريكس” ، التي تضم الصين أيضاً و مجموعة البريكس هذه المنظمة ليست تحالفًا استراتيجيًا ، بل هي منتدى اقتصادي
و جيوسياسي يتوسع أفقيا و يدعو إلى عالم متعدد الأقطاب و بالتالي من الممكن أن تنجح قوى البريكس في إطار الوساطة بدعم حيثمساعي روسيا بشكل افضل من الأمم المتحدة في إيجاد حل يؤدي إلى اتفاق و نزع فتيل التصعيد المحتمل بين باكستان و الهند قبل ان يتفاقم الوضع كثيراً، فمن الممكن جداً نجاح هذه الوساطة.
فمجموعة البريكس يمكنها أن تلعب دور شرطي العالم أو حتى صانعة سلام و ليس الأمم المتحدة أو الغرب، اللذين على العكس من ذلك ، لا يفعلان شيئا سوى تأجيج الصراعات و إشعال فتيل حروب جديدة بشقيها البارد و الساخن
نعيد الفراء الاعزاء الى الجذور التاريخية لهذا الصراع المزمن الممتد نحو 78 عاما و كالعادة لم يغادر الاستعمار البريطاني بلد إلا و ترك فيه بذرة شجرة قاتلة من (الخلافات ، العداوة و الحروب) تنمو و تنمو و مارس سياسة * فرق تسد* الحاضرة لكل زمان و مكان ، لذلك عند خروجه من الهند اخترع عمداً هذه المشكلة من اجل إثارة المشاعر الدينية بهدف تقسيم البلاد بين المسلمين و الهندوس و أقامت الدولة المعروفة اليوم باسم ” باكستان” التي أبقت أغلبية المسلمين داخل حدودها و طردت الهندوس، بينما الهند لم تطرد المسلمين و اليوم تعتبر الهند دولة هندوسية تضم فيها 200 مليون مواطن مسلم ، اي انها ثاني اكبر دولة إسلامية في العالم بعد إندونيسيا.
بينما باكستان (أرض الطاهرين) تأسست على فكرة الانتماء إلى حركة إسلامية أصبحت لاحقاً متطرفة و مدعومة من الأميركيين، الذين قاموا تحالف مع باكستان ، بتمويل طالبان و الجهاديين في أفغانستان. و لذلك فإن باكستان الإسلامية لم تتوقف أبدا عن النظر إلى الهند باعتبارها عدوا هندوسيا و دولة يسكنها الكفار. و لذلك نشاهد ردة الفعل العنيفة و المجازر احيانا من قبل الهندوس اتجاه المسلمين من فترة لٱخرى و في الهند اي ان العداوة و الكراهية اصبح متبادلة اليوم , علاوة على ذلك، تطالب” إسلام آباد” بالسيادة الكاملة على مقاطعة “كشمير” التي تسيطر على الجزء الغربي منها ، في حين أن قسمين صغيرين في الشمال و الغرب تحت السيطرة الصينية اما الجزء الأكبر في الجنوب و معظم سكانها من المسلمين يقع تحت السيطرة الهندية .
حاولت الأمم المتحدة النظر في هذه القضية ، لكنها لم تتمكن من حل الخلاف و على أية حال، وفقا لنتائج لاستفتاء أجرته السلطات الهندية 2010 أصبحت كشمير رسميا جزءا من الهند.
كاتب سوري