سوريا: مبدأ رامسفيلد 2.. إعادة تدوير مبدأ قديم في مسرح جديد

سوريا: مبدأ رامسفيلد 2.. إعادة تدوير مبدأ قديم في مسرح جديد

 

سعد الدالاتي

منذ الغارات الأولى بعد سقوط  النظام التي استهدفت مستودعات عسكرية في دمشق ومحيطها، بدا واضحًا أن إسرائيل لا تتصرف بردّة فعل فقط، بل تتبع منهجًا عسكريًا-أمنيًا مركبًا. هذا المنهج ليس جديدًا بالكامل، بل يمكن تتبع ملامحه في “مبدأ رامسفيلد” الذي صاغه وزير الدفاع الأميركي الأسبق خلال غزو العراق: ضربات سريعة، قوات قليلة، تكنولوجيا عالية، وتحالفات ظرفية.
فما الذي تفعله إسرائيل في سوريا غير ذلك؟ وهل تتحول الفوضى السورية إلى مختبر إسرائيلي لتجريب عقيدة رامسفيلد العسكرية دون تكلفة بشرية أو سياسية تُذكر؟

القوة الجوية كرأس حربة

الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على مواقع متعددة في الداخل السوري، خصوصًا قرب العاصمة وبعض نقاط التماس في الجنوب، تُظهر فهمًا عميقًا لمبدأ “قوة صغيرة، تأثير مضاعف”. إسرائيل لا تحتاج لاجتياح بري، ولا لرأس حربة ميداني. الطيران وحده، مدعومًا بمعلومات استخباراتية عالية الدقة، يكفي لتوجيه الرسائل، وتحديد قواعد اللعبة.

التكنولوجيا كسلاح معتمد

ما تبنّاه رامسفيلد من تفوق تقني، تترجمه إسرائيل اليوم عبر طائراتها المسيّرة، وأقمارها الاصطناعية، وعملائها الميدانيين.
كما نستذكر حادثة البيجر، الحادثة تمثل أحد الأساليب الخفية التي استخدمتها إسرائيل لتوجيه ضربات باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مما يعكس نوعاً من الحرب غير التقليدية التي تعتمد على الاستخبارات والمفاجأة لتقويض التحركات دون الدخول في مواجهات مباشرة وليس بعيداً مشاهدة مثل هكذا هجمات ضد الحكومة الحالية
لا حاجة لاستطلاع تقليدي، ولا حتى لجندي واحد على الأرض. بل إن بعض الضربات تتم في وضح النهار، وأحيانًا على بُعد أمتار من مقرات الفصائل، دون أن تُسجّل خسائر بشرية إسرائيلية واحدة. هذه ليست حربًا، بل هندسة أمنية.

ضربات وقائية: إعادة تعريف الخط

 شرعنة الضربة الاستباقية. كما يتماشى مع مبدأ رامسفيلد الذي يشدد على الضربات الوقائية لتفادي التهديدات قبل أن تتطور، يمكن اعتبار الغارات الإسرائيلية على الأسلحة الاستراتيجية التي تركها الأسد في سوريا ضربات استباقية تهدف إلى تقويض أي قدرة مستقبلية تمكن الجيش السوري من اخذ مكانة بين الجيوش الاخرى. هذه الضربات، التي تسبق تحركات محتملة للخصوم، تعكس استراتيجية إسرائيل في التعامل مع المجهول وتدمير القدرات ليس لاضعاف الحكومة الحالية اتجاه إسرائيل فهي بالاصل لا تكافئ أنظمة الدفاع الإسرائيلية انما لاضعافه على مواجهة خصومه المحتملين داخلياً وتثبيط قدرته على انهاء الفوضى

4.قوات برية صغيرة
في ظل ما يمكن تسميته بـ”تحالف الراغبين”، تتعامل إسرائيل مع المشهد السوري من منطلق الأضحية عوضا عن دماء الجنود، حيث يُختزل الصراع إلى قاعدة بسيطة: كل من يحمل السلاح خارج إطار الدولة هو أداة قابلة للتوظيف. البعض يعمل كعميل مباشر، والبعض الآخر يُقاد دون وعي ضمن استراتيجية “الحمار والجزرة”، كما هو الحال مع قسد، فلول النظام، والانفصاليين الذين يتوهمون استقلالاً بينما يُدفع بهم لخدمة أجندات تتقاطع مع المصالح الإسرائيلية. هذا النمط من التعامل يُحوّل الخصوم المفترضين إلى شركاء موضوعيين في تفكيك سوريا من الداخل، ضمن صيغة تحالف لا تُعلن لكنها تنفَّذ بدقة ما يخدم مصالح إسرائيل ميدانياً

مركزية القيادة: التحكم من بعد

تمامًا كما سحب رامسفيلد الصلاحيات من الميدان وأبقاها في البنتاغون، تتحرك إسرائيل من غرف عمليات بعيدة، تُدار منها كل الضربات، وتُتابع بدقة خطوط التماس بين الجيش اومجاميع “الفلول” التي تسعى للعودة بأقنعة جديدة. المركزية ليست ضعفًا هنا، بل تكتيك يضمن ألّا تخرج الأمور عن السيطرة.
تحليل المنطق الإسرائيلي :
تُظهر إسرائيل، من خلال تعاطيها المنظم مع تطورات المشهد السوري، أنها لم تكن متفاجئة بسقوط الأسد، بل توحي تصرفاتها بأنها كانت تملك تصورًا مسبقًا لما بعده. فهي لا تسعى إلى تمكين الرئيس أحمد الشرع من السيطرة الكاملة، ولا إلى تحييده تمامًا، بل تتعامل معه كجزء من مشهد أعقد. الأقرب للمنطق أن الأسد، بعدما استنفد وظيفته الإقليمية وتحول إلى ورقة محروقة، تم التضحية به ضمن خطة أوسع لفوضى خلاقة طويلة الأمد. هذه الخطة تقوم على تشابك خيوط النفوذ والقوة بطريقة تجعل حلّها يتطلب تنازلات جوهرية من جميع الأطراف، والمفارقة أن هذه التنازلات تمس مبادئ وخطوطًا حمراء يعتبرها كل طرف غير قابلة للمساس. بذلك، تضمن إسرائيل بقاء المنطقة في حالة لا حرب كاملة ولا سلم مستقر، بل في منطقة رمادية تُستنزف فيها جميع القوى دون منتصر حاسم
لماذا الحتلال البري شبه مستحيل ؟
رغم مناورة الاحتلال في بعض مناطق درعا
الا ان الحرب البرية مع الاحتلال الإسرائيلي تبدو خيارًا مستحيلاً في السياق السوري، ليس بسبب تفوق العدو عسكريًا فحسب، بل لأن طبيعة الجغرافيا السورية وما يحيط بها تجعل من هذا النوع من المواجهات مهمة مستحيلة. على عكس غزة، تقع سوريا عند نقطة تلاقٍ جغرافي مرنة، بحدود مفتوحة مع العراق وتركيا، ما يجعل خطوط الإمداد والمناورة أكثر تعقيدًا بالنسبة لأي جيش غازٍ. أي تدخل بري قد يزج بإسرائيل في مستنقع يشبه ما واجهته أمريكا في أفغانستان: معارك بلا حسم، وبيئة معادية قادرة على امتصاص الضربات ثم إعادة التشكّل. فشعوب المنطقة أثبتت قدرة عالية على التكيّف مع شظف العيش، وتحمل أعباء الحروب، إضافة إلى وجود رأسمال بشري يمكنه تعويض الخسائر بسرعة، ما يجعل النصر البري في سوريا غير مضمون مهما بلغت القوة النارية

 الفوضى السورية لا تُقلق إسرائيل، بل تخدمها
لا حرب، ولا سلام، ولا وجود مباشر. هذه هي الوصفة الإسرائيلية في سوريا ما بعد الأسد. إسرائيل تُطبّق مبدأ رامسفيلد بأدق أدواته، لكن بدون الأكاذيب الأخلاقية التي رافقت الحرب على العراق. لا مشروع مستقر، ولا تحرير للشعوب، بل إدارة للصراع، وحفاظ على الفوضى بوصفها “أفضل سيناريو ممكن”
 صحفي ومدون سوري