لا تطلبوا المستحيل من أهل غزة

د. فايز أبو شمالة
أرض غزة بعض فلسطين، وفلسطين كلها بعض الأمة العربية، التي إذا اشتكى منها البعض، تداعى الكل لنصرتها وتلبية صرختها، وإطفاء المحرقة التي يتعرض لها أهل غزة على مدار سنة ونصف.
ولكن ما يجري على أرض غزة يتنافى مع الفطرة والطبيعة والمنطق والعقل والعقيدة والأديان كلها، فقد تخلى عن غزة أقرب المقربين لها، وتجاهل معاناة أهلها الأصدقاء والجيران، وتركوهم وحدهم في الميدان يواجهون حرباً عالمية، تحالف فيها الصهيوني مع الإمبريالي مع الرأسمالي مع الإرهابي، في حرب إبادة لا تهدف إلى ذبح أهل غزة واجتثاثهم عن وجه الأرض، والقذف بهم إلى ما وراء البحار، بعيداً عن أرض فلسطين، بل تهدف إلى ترويع المنطقة كلها من المصير المظلم الذي أرخى ظلاله على أهل غزة.
الحرب على أهل غزة تسير حتى اللحظة وفق المخطط الصهيوني، والهادف إلى إطالة أمد الحرب المقترنة بالتجويع والترويع، تجويع أهل غزة، حتى صار الهم الأكبر لكل الناس هو توفير رغيف خبز وشربة ماء، وترويع أهل غزة حتى صار البحث عن مكان آمن لا يطاله القصف الإسرائيلي من المستحيلات السبع، فإذا أضيف إلى ما سيق انعدام مقومات الحياة، وفقدان البيت، واهتراء الخيمة، وضياع مستقبل الأولاد والبنات؛ بلا مدارس، وبلا جامعات، وبلا مرافق، وبلا أفق لمستقبل فيه بعض ملامح الحياة، ضمن هذا المشهد القاتم والقائم أمام أهل غزة، يتدخل الصليب الأحمر الدولي لا لتقديم وجبات الغذاء، ولا لتقديم الماء والدواء للظمأى والجرحى، وإنما لتقديم وسائل نقل لأولئك الأشخاص الذين حالفهم الحظ مرتين؛
المرة الأولى حين لم يطالهم القصف الإسرائيلي، وظلوا على قيد الحياة.
والمرة الثانية حين تبين أن لهم أقارب من الدرجة الأولى في دول اوروبا، فتواصلوا مع السفارات الفرنسية والبريطانية والألمانية وغيرها من السفارات الأوروبية، والتي بدورها توجهت بطلب إلى الصليب الأحمر الدولي، كي يرعى نقل هؤلاء المحظوظين من أرض المحرقة؛ أرض غزة إلى المعابر الإسرائيلية، لتهجيرهم إلى المنافي البعيدة.
وأزعم أن هذا هو مخطط الترحيل الطوعي لأهل غزة، والذي يتم تحت رعاية الجيش الإسرائيلي، وقد بدأ تنفيذه بشكل عملي وعلني دون أن يتعرض لأي انتقاد أو اعتراض؛ لا من دول الجوار، ولا من الفلسطينيين أصحاب القرار، حيث تتجمع في أحد النقاط المتفق عليها عدة حافلات يومية، يتوجه إليها المطلوبون من السفارات الأوروبية بطولهم فقط، دون أن يأخذوا معهم شيئاً من مقتنياتهم وأغراضهم، لتنقلهم الحافلات إلى المعابر الإسرائيلية، ليجدوا هنالك الطعام والشراب والدواء وحتى الملابس، بل وفروا لهم السجائر المقطوعة في غزة، كل ذلك مع تذاكر سفر مجانية، بعد تحديد المكان الذي سيقيم فيه المهاجر الفلسطيني في أرض المنافي.
فهل تجهل الأنظمة العربية هذا المخطط الذي بدأ الأعداء في تنفيذه؟ أم أن بعض الأنظمة العربية على دراية وعلم بما يجري على أرض غزة، ويغمضون العين، ويطأطئون الرأس، طالما لم تكن هجرة أهل غزة إلى داخل أراضيهم، التي يظنون أنها في منأى عن العدوان؟
وماذا أنتم فاعلون يا عرب؟ وأنتم تدركون أن المأساة لن تقف عند أرض غزة، وأن الإرهاب الصهيوني المدعوم من أمريكا كالسيل الجارف، لن يتوقف، سيظل يتدفق باتجاه الأراضي الرخوة، تلك الأرض التي تغطيها الأطماع الصهيونية، وتنتظر اللحظة المناسبة لإعادة تشكيلها وفق الأحلام التوراتية.
فماذا أنتم فاعلون يا أمة العرب؟ كيف تواجهون هذه المخططات الشيطانية؟
غزة في انتظار وقفتكم وفزعتكم!
غزة لا تطلب منكم أكثر من رغيف خبز وشربة ماء، وفّروا لأهل غزة رغيف الخبز وشربة الماء، وخذوا منهم صموداً وصبراً وثباتاً، وإفشالاً للمخططات الشيطانية، فقد اعتاد أهل غزة على القصف والذبح والنسف والخسف، ولكنهم ضاقوا ذرعاً بالجوع، الجوع كافرٌ يا عرب، الجوع يخرج العابد من دينه، فكيف بأهل غزة الذين اجتمع عليهم الجوع والرعب والقلق والفزع وقلة الحيلة، وانعدام الوسيلة.
وفروا لأهل غزة رغيف الخبز، وخذوا منهم مقاومة، وصموداً، وصبراً، وتضحية بلا حدود، ارفعوا لحصار عن غزة، كي تواصل التحدي والتضحيات، فغزة هي صخرتكم العنيدة يا عرب، والتي لما تزل تقف بصلابة في وجه طوفان المتطرفين الصهاينة، فإن تمكنوا من زحزحتها، وتفتيت صلابتها، سيندلقون عليكم سيلاً من التخريب والتآمر والتغريب.
كاتب فلسطيني/غزة