أ. إدريس أحميد: المخططات الصهيونية مستمرة أمام صمت أممي

أ. إدريس أحميد
تعتبر المنطقة العربية والإسلامية، الممتدة بين قارتي آسيا وأفريقيا، واحدة من أكثر مناطق العالم تعرضًا للصراعات السياسية والعسكرية. منذ العصور القديمة، عاشت هذه المنطقة العديد من التحديات، سواء في ظل حكم الفرس والروم، أو بعد ظهور الإسلام وفتوحاته، وصولًا إلى الحروب الصليبية، وما تبعها من تاريخ طويل مليء بالاحتلالات والصراعات.
لكن، على الرغم من كل تلك التحولات التاريخية، فإن التهديدات الموجهة لشعوب هذه المنطقة لم تتوقف. فاليوم، يعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين نقطة التوتر الرئيسية، حيث تكمن في فلسطين المشكلة الأزلية التي تهدد مصير المنطقة كلها.
بعد وعد بلفور عام 1917، الذي منح بريطانيا الحركة الصهيونية وعدًا بإقامة “وطن قومي” لليهود في فلسطين، تحولت القضية الفلسطينية إلى مركز للصراع المستمر بين الاحتلال والشعب الفلسطيني. هذا الصراع لم يكن مقتصرًا على حدود فلسطين، بل أصبح له أبعاد إقليمية وعالمية تؤثر على المنطقة بأسرها.
ورغم كل محاولات التسوية عبر الأمم المتحدة وقراراتها العديدة التي تدعو لإقامة دولة فلسطينية، لا تزال إسرائيل تتمادى في سياساتها الاستيطانية. بل إن المجتمع الدولي لم يتخذ أي إجراءات رادعة ضد السياسات الصهيونية التي تتعارض مع كل المواثيق الدولية.
فشل الحلول والمقترحات الدولية
إن فشل الحلول السياسية، والمقترحات التي قُدمت على طاولة الأمم المتحدة، والقرارات التي اتخذتها الدول الكبرى والمنظمات الدولية، يبرز حقيقة أن إسرائيل وصلت إلى مرحلة من الغطرسة تجعلها تعتبر نفسها هي القانون والعدالة. لقد جرت المحاولات الحثيثة للضغط على إسرائيل من خلال العقوبات الدولية، والقرارات الأممية، لكن جميعها كانت تتعرض للرفض التام من قبل الكيان الصهيوني، الذي يعتقد أن العالم كله يجب أن يرضخ لإرادته. ولا يقتصر الأمر على رفض الحلول السلمية، بل باتت إسرائيل تتعامل مع العالم وكأن قواعد اللعبة قد تغيرت، ولا يوجد قانون يحكمها سوى قوتها العسكرية.
الأكثر صدمة في هذا السياق هو تأكيد إسرائيل على أنها فوق القانون، وأن العالم يمكنه أن يذهب إلى الجحيم في حال كانت مصالحها مهددة. هذا الشعور بالعجز الدولي تجاه الممارسات الإسرائيلية يجعلنا نواجه واقعًا مريرًا، إذ احترقت جميع الأوراق التي كانت قد تُستخدم يوما لحل القضية الفلسطينية. وفي ظل الدعم الغربي غير المحدود، لا يبدو أن هناك أفقًا حقيقيًا لأي حل في الأفق.
التهديدات الإسرائيلية التوسعية: من فلسطين إلى المنطقة
اليوم، باتت المنطقة أمام حقيقة مريرة قد تشير إلى أن حل القضية الفلسطينية قد أصبح مستحيلاً، بينما يواصل الكيان الصهيوني توسيع احتلاله، مدعومًا بمواقف عالمية هزيلة تكتفي بإصدار البيانات دون أن تترجم إلى أفعال. فإسرائيل، التي كانت قد بدأت في احتلال فلسطين، لم تتوقف عند حدود الأراضي الفلسطينية فحسب، بل بدأت تهدد الاستقرار في دول عربية أخرى مثل لبنان، سوريا، مصر، والأردن، مستمرة في تنفيذ مخططاتها التوسعية.
نهاية العالم قد تكون أقرب مما نتصور
لقد وصلت المنطقة إلى نقطة قد تكون النهاية بالنسبة للكثيرين. في وقت تتسارع فيه المخططات الصهيونية، وتواجه الدول العربية صمتًا مطبقًا من المجتمع الدولي، يبدو أن هناك شيئًا واحدًا ثابتًا: إسرائيل تزداد قوة، في حين أن حقوق الشعوب في المنطقة تتضاءل. كيف سيواجه العالم هذا الواقع؟ هل سيظل متفرجًا على المأساة؟ ومتى ستكون نهاية هذه الكارثة التي قد تدمّر الجميع؟
فشل الحلول والمقترحات الدولية: ما وراء الصمت العالمي
إن فشل كل الحلول والمقترحات والمطالبات والقرارات الدولية، يأتي نتيجة لكون إسرائيل قد وصلت إلى درجة اعتبار نفسها هي القانون والعدالة. فالدولة العبرية تتعامل مع العالم وكأن قوانين الأمم المتحدة وحقوق الشعوب لا تعنيها في شيء. ومع الدعم المستمر من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، لم تجد إسرائيل في المجتمع الدولي أي قوة تردعها عن مواصلة مخططاتها. لقد احترقت كل الأوراق، وأصبحنا نعيش في واقع مرير قد لا يبدو فيه حل قريبًا.
وفي تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، كان واضحًا أن المنظمة الأممية والمنظمات الدولية وحقوق الإنسان قد فشلت فشلًا ذريعًا في إجبار إسرائيل على الالتزام بالقوانين الدولية. بل إن الأمم المتحدة تعرضت للهجوم من قبل إسرائيل، حيث تعرضت مقراتها في غزة للقصف والقتل من قبل الجيش الإسرائيلي في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ولأبسط الأعراف الدولية. إسرائيل اليوم لم تعد تقيم وزنًا لأي رأي أو قرار دولي، بل تقف كدولة فوق القانون، تفرض إرادتها على العالم. إن ما يراه العالم اليوم هو أن إسرائيل تعتبر نفسها الآمر الناهي في المنطقة، وهي لن تقبل أي حل أو تسوية لا يتماشى مع مصالحها. العالم كله بات يواجه أزمة خطيرة، ولا حل يلوح في الأفق، إلا إذا حدثت معجزة حقيقية.
فلينظر شعوب المنطقة إلى مصيرهم
لقد وصلنا إلى نقطة اللاعودة. ما لم يتحرك العالم، وما لم يوقف المجتمع الدولي هذا الظلم المتواصل، فإن المخاطر التي تواجه المنطقة قد تكون أكبر من أي وقت مضى. يجب على شعوب المنطقة أن يتحدوا، وأن يتحملوا مسؤولياتهم في الدفاع عن حقوقهم. كما أن المواقف الشعبية العالمية الرافضة لما يحدث في فلسطين هي تعبير عن وعي متزايد بالمأساة التي نعيشها. فهل سيظل العالم متفرجًا أم ستتحقق معجزة حقيقية لإنقاذ الإنسانية من هذا الفخ الذي يحكمه الاحتلال والتوسع الصهيوني؟
انتظار الدور: إنهاء زمن التفاوض والتهدئة
أمام هذه التحديات، فإن شعوب ودول المنطقة أصبح عليها أن تنتظر دورها، كل على حده. لقد انتهى زمن التفاوض والحلول السياسية، وأصبح الواضح أن إسرائيل لا تعترف بالعالم ولا بالشعوب. فهي لا تأخذ بعين الاعتبار لا المواقف العربية ولا الإسلامية ولا حتى القرارات الدولية، بل تمارس سلطتها بسلطة مطلقة وكأنها هي من يفرض القوانين. في هذا السياق، باتت الشعوب والدول تدرك أن ما عليها هو انتظار دورها في المواجهة، حيث لا مكان للتفاوض أو التهدئة في ظل هذه المعادلة.
إسرائيل اليوم تأمر والعالم ينفذ، بينما تظل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في حالة صمت مطبق أمام هذه التصرفات غير القانونية. هذا هو الواقع الذي نعيشه، حيث أصبحت المفاوضات بمثابة وهم، والمجتمع الدولي عجز عن اتخاذ أي خطوة جدية لوقف هذه الممارسات.
صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي..*