عدنان نصار: إنسانية منسية في زمن التوحش.. هل عاد العالم الى شريعة الغاب؟

عدنان نصار
لم تمر الإنسانية في العصر الحديث ، بنسيان وتجاهل كما هو الآن ..ففي ظل الصراعات والحروب ثمة إزدحام في طرق المصالح ، وحمولة زائدة من التوحش لتغييب الإنسانية بما يتفق مع شريعة الغا ، ويتحول الإنسان الى مجرد رقم وطني يعطيك الإجابة عن أي سؤال يتعلق بمسارك دون استشارتك أو حتى استئذانك.!
فالإزدحام الأممي على تغييب إصطلاح الإنسانية يمشي بطرق وعرة، ويعمل على تحويل القيم السياسية والإجتماعية الى مجرد لهاث دولي من أجل مصالح مادية غابت عنها القيم، وحضرت الأرقام، ويُستبدل الحوار الناقد بالتجاهل، حتى أصبح الإنسان نفسه غريبًا عن إنسانيته، وهذا بطبيعة الحال جزء من ضريبة التطور في عصر يتقدم فيه قطار التكنولوجيا على قطار العاطفة، وربما ينحيه جانبا ليبقبه خارج سياق الزمن ..
نجلس امام شاشات الفضائيا، أو نقلب شاشات هواتفنا، نجد ان الأخبار الكارثية في حالة سباق كما لو أنها مارثون، وظف مشاعر الزيف على التعاطف، ليتحول الألم الجماعي الإنساني إلى مجرّد عنوان عابر على الشاشات ، وفي السياق تجيء التفاصيل مع الصورة ..صورة الإنفلات من العقل والعاطفة معا.
لقد نسي العالم “المتحضر” بتوحشه أن خلف كل صورة لطفل نازح، أمًّا تنام على الأرض، وقلبًا لا يعرف كيف يقرأ دهاليس الحرب.. نسينا أن وراء كل موجة في البحر، مهاجرًا كان يحلم فقط بكرامة، وأن لكل وجه غارق في تفاصيل الحزن قصة .. قصة تبحث عن احتضان وليس تحليل، او تزيين لفظي في لغتها السردية.
السؤال الأكثر رواجا: ما الذي جعلنا نُمرّ على هذه المشاهد.. مشاهد: القتل /الجوع/ التشرد/ الحزن/ النواح والفجيعة ، دون أن نتوقف عند منعطف الإجابة، أهو الاعتياد، أم العجز، أم نخشى الإصابة بفيروس عدوى الألم..،هي أسئلة تبحث عن أجوبة عن إنسانيتنا التي تُقتل، وعن ساسة كبار لدول عظمى ناموا تحت ركام اللامبالاة.. تلك المشاهد الإنسانية الموجعة والمفجعة تبحث عن صحوة، تتمسك بالإنسانية دون النظر الى تفاصيل تدّعي البطولة..ولعل الكلمة التي ترضي الله والإنسانية قد تعمل على معالجة شيء من إختلالات التوحش.. ربما التفاتة لطفل يبكي في وقد تمرغ انفه بتراب الحرب والعدوان يبعث على إستنهاض أمل غائب، ومن الممكن أن تداوي الإنسانية جراح الثكالى اللائي فقدن ابنائهن في بث مباشر لصاروخ عابر فوق رؤوس الأبرياء، ربما يكون مساعدا لإحياء أمة دون انتظار مقابل، أو البحث عن المصالح.
لقد تعلمنا في الصحافة أن الإنسان لا يُقاس بما يملك..بل بما يفعل وقدرته على إحداث التغيير نحو الأفضل ..غير أن السياسة تميل الى النقيض تماما : الإنسان يقاس بما يملك من قدرة على قلب الحقائق عند دول عظمى لا تحتاج الى كل هذا الزيف في القول، والصدق في فعل إجرامي يغيب الإنسانية .
ثمة مثل صيني موروث يقول: “ما فائدة إتساع هذا العالم اذا كان حذائي ضيقا”.. فالسكوت المؤقت على القسوة قد يحتمل ، لكن السكوت الدائم سيعقبه إنفجار بلا ادنى شك، وهو نتاج طبيعي إن دامت القسوة .!
في المقابل فربّ نظرة عادلة تغيّر مسار الكون في حياة أفضل.. تماما مثل عناق صامت، او بسمة تبتعد عن البحث عن المصالح ، ربما تشفي الجروح التي لا تراها العيون.
ما احوج العالم إلى أن يستعيد تلك النغمة الإنسانية في شخصيته الجوانية..ويبتعد عن شريعة غاب وعربدة لا تملك جدوى في أي تغيير يبحث عنه الطغاة.
كاتب وصحفي أردني..