الدكتور هاني العدوان: أمة جرحت وشعار ينزف

الدكتور هاني العدوان: أمة جرحت وشعار ينزف

الدكتور هاني العدوان

   أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، يا له من صدى أجوف يتردد في فضاء أمتنا المثخنة بالجراح، فبين هذا الشعار المعسول والواقع المرير، هوة سحيقة تبتلع أحلام العروبة، عقود عجاف مرت، حولت وحدتنا المزعومة إلى شظايا متناثرة، وجعلت جسدنا العربي أسيرا لأطماع قوى خارجية تعيث في أرضنا فسادا، تنهب خيراتنا، وتذيق شعوبنا مرارة الجهل والجوع
   كيف لنا أن نغض الطرف عما يرتكب من جرائم تطهير عرقي في فلسطين من قبل كيان مصطنع، كيان دخيل، مستعمر مستفز، غاصب لا يمتلك في سجل التاريخ جذورا، ولا يملك لسانا أصيلا يوحد شتات منابته، ولا قيما إنسانية راسخة
    كيف لهذا الكيان الذي لم يبلغ من العمر إلا رمشة عين من عمر الأمة التي يتطاول عليها، أمة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، أمة تملك لغة خالدة، ودينا يوحد القلوب، وعادات وتقاليد أصيلة، كيف تسمح بتهويد أرضها ومقدساتها، كيف تصمت على قتل أبنائها وتشريدهم وتهجيرهم، غزة، الجرح النازف في قلب الأمة، تحولت إلى رماد، ونصف أهلها ما زالوا تحت الأنقاض، شهودا على صمتها وعجزها
    سوريا، وليبيا، والسودان، واليمن، أسماء تتردد كأجراس الإنذار، تنذر بخطر التفتيت والتمزق الذي يهدد كيانها، ولبنان، الشقيق، يئن تحت وطأة التحديات، عالمنا العربي يتمزق شذر مذر، ويغرق في بحر من الفرقة والشتات
    ما هي الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الدرك، وهل لا يزال هناك بصيص أمل يلوح في الأفق لإعادة لم شمل هذه الأمة المكلومة
    أوروبا، بتعدد عقائدها وألسنتها ولهجاتها وهوياتها، استطاعت أن تتوحد في وجه التهديدات، دول وشعوب أخرى في هذا العالم، رغم جبروت المستعمرين وقوتهم، لم يستطع أحد أن يكسر إرادتها
   فلماذا نستسلم نحن لليأس، كيف لنا أن نستعيد وحدتنا المفقودة، ونرأب هذا الصدع العميق الذي أصاب أمتنا، إنها مسؤولية تاريخية تقع على عاتق كل عربي غيور، وكل قياداتنا الواعية، وكل صوت حر ينادي بعودة العزة والكرامة لأمة تستحق الحياة
    إن إنقاذ الأمة ونشلها من براثن التشتت والضياع ليس ضربا من المستحيل، بل هو واجب الوقت وضرورة حتمية، إنه رهن بإرادة قادة أمتنا، ووعي شعوبنا الطامحة إلى غد أفضل، وإيمان راسخ بوحدتنا وقدرتنا على تجاوز المحن وبناء مستقبل يليق بتاريخنا ورسالتنا الخالدة
    وهي دعوة صادقة إلى قادة أمتنا، يا من تحملون أمانة تاريخ عريق ومستقبل مرتجى، ما زلنا نعقد الآمال الكبيرة عليكم، ونستبشر بكم خيرا لمستقبل مشرق
   إن التحديات الراهنة تستدعي منكم ارتقاء شامخا فوق الذات، وتحليقا في سماء المسؤولية التاريخية بوعي نافذ وإخلاص مطلق، إن مصلحة الأمة العليا، تلك الغاية الأسمى التي يجب أن تستظل بظلها كل رؤية وكل قرار، تستوجب نبذ سياسات التكتل والانقسام التي مزقت جسدنا الواحد، عليكم أن تسموا بروح الفريق، وأن تجعلوا من الخير المشترك نبراسا يضيء دروبكم، وإن صوت الشعوب، تلك الأمواج الهادرة بالتطلعات والآمال، لهو البوصلة التي يجب أن توحد جهودكم وتوجه مسيرتكم، أصغوا بقلوب مفتوحة إلى نبض الشارع العربي وأشركوا أبناء الأمة في صياغة مستقبلها
    إن المشروع الوحدوي هو صمام الأمان في وجه كل من تسول له نفسه سلب إرادتنا واستنزاف ثرواتنا، إنه ضرورة حتمية لترميم ما تصدع من بنياننا، وللالتقاء على كلمة سواء، وتجاوز كل الخلافات التي  أوهنت قوانا
   يبقى الأمل معقودا على صحوة الضمائر ووحدة الصف، ففي اتحادنا قوة، وفي تفرقنا ضعف، ولأمتنا تاريخ عريق يستحق أن يستعاد مجده، فهل نلبي النداء.
كاتب اردني