بعد رحيل البابا.. “المجمع السري” يستعد لانتخاب حبر أعظم جديد

بعد رحيل البابا.. “المجمع السري” يستعد لانتخاب حبر أعظم جديد

الفاتيكان/ بارش سجكن/ الأناضول
بعد وفاة البابا فرنسيس، الزعيم الروحي للكاثوليك ورئيس دولة الفاتيكان في 21 أبريل/ نيسان الماضي، تتجه الأنظار إلى السابع من مايو/ أيار الجاري، حيث تنطلق رسميا عملية انتخاب بابا جديد للكنيسة الكاثوليكية، في ما يُعرف بـ”الكونكلاف”، وهي كلمة لاتينية تعني “المجمع السري”.
هذا الحدث الاستثنائي لا يثير الفضول بشأن اسم البابا القادم فقط، بل يجذب الانتباه أيضا إلى طبيعة هذه العملية الانتخابية وتعقيداتها، وكم من الوقت قد تستغرق قبل أن يتصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة “سيستينا” في إشارة إلى التوافق حول اسم البابا الجديد.
وأعد مراسل الأناضول تقريرا خاصا عن “الكونكلاف”، مستعرضا تطور هذا التقليد الذي يمتد لقرون في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، بدءا من مراحله الأولى وحتى صورته الحالية.
** التدخلات السياسية والمجمع السري
بحسب العقيدة الكاثوليكية، يُعد بطرس، أحد الحواريين الاثني عشر للمسيح عليه السلام، أول من تقلد منصب البابا. وفي بدايات الكنيسة، كان اختيار البابا الجديد يتم من قِبل كبار رجال الدين في روما بمشاركة عامة الشعب.
لكن مع تحوّل الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية في القرن الرابع الميلادي، بدأت التدخلات السياسية تتسلل إلى هذا القرار الديني، وبلغت ذروتها في العصور الوسطى حين أصبح للأباطرة والحكّام الأوروبيين نفوذٌ مباشر في اختيار البابا، ما دفع الكنيسة إلى التفكير في آلية انتخاب مغلقة، تحصّن هذا القرار من التأثيرات الخارجية.
وبحلول القرن الحادي عشر، بدأت الكنيسة الكاثوليكية باتخاذ إجراءات فعلية للحد من تلك التدخلات.
ووفقًا لتقرير نشرته المنصة الرسمية للفاتيكان (Vatican News)، فإن البابا نقولا الثاني أصدر مرسوما عام 1059، ينصّ على أن مهمة انتخاب البابا يجب أن تكون منوطة بمجمع الكرادلة، وهو الهيئة الأعلى بعد البابا نفسه في التسلسل الكنسي.
** أطول وأقصر انتخابات بابوية
سجل التاريخ البابوي أطول عملية انتخاب بين عامي 1268 و1271، عقب وفاة البابا كليمنت الرابع، حيث استغرق التوافق على خليفته 1006 أيام، وانتهى باختيار غريغوريوس العاشر.
ونظرا لهذا التأخير غير المسبوق، قرر مجمع ليون الثاني عام 1274 فرض إجراء جديد يقضي بحجز الكرادلة في مكان مغلق أثناء الانتخاب، ومنعهم من مغادرته حتى يتم التوافق على اسم البابا الجديد.
ومن هنا جاءت كلمة “الكونكلاف” (Conclave) المشتقة من اللاتينية (Cum Clave)، والتي تعني المجمع السري، في إشارة إلى عزل الكرادلة عن العالم الخارجي حتى انتهاء الاقتراع.
أما أقصر عملية انتخاب بابوي في التاريخ، فكانت عام 1503 بعد وفاة البابا بيوس الثالث، حيث لم تستغرق عملية الانتخاب أكثر من 10 ساعات، وأسفرت عن اختيار البابا يوليوس الثاني.
** انتخابات أسرع في العصر الحديث
عند مراجعة محطات الكونكلاف خلال القرن العشرين، يتضح أن عملية انتخاب البابا أصبحت تسير بوتيرة أسرع، على الأغلب بفضل التنظيم الدقيق والإجراءات المحدثة.
فقد شهد القرن الماضي انتخاب 8 بابوات، وعلى سبيل المثال، استغرقت عملية انتخاب البابا بيوس الحادي عشر عام 1922 خمسة أيام، وانتهت بعد الجولة الرابعة عشرة من الاقتراع.
وفي عام 2005، انتُخب البابا بنديكتوس السادس عشر في اليوم الثاني من جلسات الكونكلاف، وتحديدا في الجولة الرابعة.
أما البابا فرنسيس الراحل حديثا، فقد انتُخب عام 2013 خلال الجولة الخامسة في اليوم الثالث من جلسات الكونكلاف.
** الدخان الأبيض علامة الحسم
في كل جولة تصويت، تُحرق بطاقات الاقتراع، لينجم عنها دخان يخرج من مدخنة كنيسة سيستينا. عندما يكون التصويت غير حاسم، يُضاف خليط خاص إلى الورق المحترق لإنتاج دخان أسود، ما يدل على عدم التوصّل إلى قرار.
أما عندما يُنتخب البابا، فتحرق أوراق الاقتراع بمواد تُنتج دخاناً أبيض، وتكون تلك الإشارة التي ينتظرها الملايين في ساحة القديس بطرس وأمام شاشات التلفزيون.
وفقاً لقوانين الكنيسة، لا يوجد حد زمني لانتخاب البابا، ولكن منذ عام 2005، اعتُمدت آلية تُسرّع العملية في حال عدم التوصل إلى إجماع خلال أيام عدة. في حال استمرار الجمود، يمكن اللجوء إلى تغيير آلية التصويت، مثل اعتماد أغلبية النصف زائد واحد بدلاً من الثلثين.
تبقى هذه الانتخابات واحدة من أهم لحظات الاستمرارية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، التي تمتد عبر أكثر من ألفي عام، وهي لحظة ترمز إلى وحدة المؤسسة الدينية وتجدّدها في آن واحد.
ومع اقتراب موعد الكونكلاف الجديد، تترقب أعين العالم ما سيجري خلف الأبواب المغلقة لكنيسة سيستينا في الفاتيكان، حيث ستُحسم هوية الزعيم الروحي الجديد لأكثر من مليار كاثوليكي حول العالم.
ولا يقتصر اهتمام المتابعين على من سيكون البابا الجديد، بل يتعدى ذلك إلى تساؤلات حول سرعة التوافق هذه المرة، واحتمالات تكرار سيناريوهات طويلة ومعقدة شهدها التاريخ البابوي في محطاته السابقة.
يُعدّ البابا رأس الكنيسة الكاثوليكية وأسقف روما، وهو منصب ذو رمزية دينية وسياسية هائلة يمتد تأثيره إلى جميع أنحاء العالم. ويُنظر إليه باعتباره خليفة القديس بطرس، الذي يُعدّ أول أسقف لروما وأحد تلاميذ (حواريي) المسيح.
يتولى البابا مسؤولية توجيه الكنيسة، والإشراف على العقيدة، والتفاعل مع القادة السياسيين، إلى جانب كونه المرجع الأعلى للكاثوليك في المسائل الدينية.