الهند وباكستان: هل تغيّرت قواعد اللعبة؟ قراءة في الاحتمالات والخيارات بعد الانقطاع الدبلوماسي والهجوم في كشمير

الدكتور وائل عواد
مقدمة
بعد الهجوم الدموي الذي هزّ ولاية جامو وكشمير،في منطقة باهالغام، في الثاني والعشرين من نيسان أبريل 2025، والذي أسفر عن مقتل 26 سائحًا مدنيًا هنديًا ، يبدو أن العلاقات الهندية الباكستانية تقف على أعتاب نقطة تحول تاريخية. فقد سارعت نيودلهي باتهام جماعات مسلحة تتخذ من الأراضي الباكستانية مقرًا لها بالوقوف وراء العملية، وأعلنت عن نيتها اتخاذ سلسلة إجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية لمعاقبة المسؤولين. وتحوّل الغضب الشعبي إلى وقود سياسي، إذ احتشدت وسائل الإعلام والرأي العام للضغط على حكومة ناريندرا مودي للرد الحاسم على ما وصفوه بـ”رعاية باكستان للإرهاب العابر للحدود”، خاصة في إقليم كشمير المتنازع عليه. وسارعت دول العالم بشجب الاعتداء والتعاطف مع الهند والاستعداد للتعاون لمحاربة الإرهاب . وهذا ما دفع بالهند لوضع استراتيجية الضغط الأقصى على باكستان .وبالفعل بدأت الإجراءات الهندي بإلغاء اتفاقية اندوس ، الموقعة عام 1960 بإشراف البنك الدولي ، لتقاسم الأنهار الستة في الاقليم المتنازع عليه والتي اعتبرتها باكستان بمثابة اعلان حرب من الجانب الهندي باعتبار أن باكستان تعتمد على 65% من حاجياتها من المياه على هذه الأنهار .
الخطوة الثانية كانت بمقاطعة التواصل الاجتماعي بين شعبي البلدين وإغلاق مواقع باكستانية ،وطرد دبلوماسيين وباكستانيين وإلغاء تأشيرات الدخول لهم وإغلاق المعابر الحدودية وردت اسلام آباد بالمثل .
واندلعت المناوشات الحدودية على طول خط التماس في اقليم جامو وكشمير المتنازع عليه وتبادل الطرفان الاتهامات حول انتهاك هدنة وقف إطلاق النار بينهما .
هذه الحادثة الدامية، وما تلاها من تصعيد، قد تكون بداية لحقبة جديدة في النزاع بين الجارتين النوويتين، ترتكز على تغيير في “قواعد اللعبة” القديمة التي كانت تتسم بضبط النفس النسبي رغم التوترات المتكررة.
أولاً: ما وراء التصعيد – من حادثة إلى استراتيجية؟
الهجوم الأخير في كشمير لم يكن مجرد حادثة أمنية، بل يمثّل لحظة مفصلية استثمرتها القيادة الهندية لتأكيد روايتها حول تورط باكستان في دعم الجماعات المسلحة. اللافت أن الرد الهندي لم يقتصر على التصريحات، بل بدأت نيودلهي بتطبيق عقوبات غير مسبوقة، شملت:
قطع التجارة عبر المعابر الحدودية المباشرة وغير المباشرة
تقليص التمثيل الدبلوماسي إلى أدنى درجاته.
التحرك لاعتبار باكستان “دولة راعية للإرهاب” على مستوى المحافل الدولية.
تشديد القبضة الأمنية والاستخباراتية في كشمير مع ضوء أخضر ضمني لتوسيع قواعد الاشتباك
اعطاء الجيش الهندي حرية القرار والرد وحماية الهند
تحريك الاسطول البحري الباكستاني بالقرب من الحدود البحرية الباكستانية وسط اشاعات بقطع ميناء كراتشي عصب الحياة الاقتصادية في باكستان
دعم الحركات الانفصالية في إقليم بلوشستان وحركة طالبان في باكستان التي فتحت الهند حوارا” معها وتقاتل باكستان حاليا” بعد الخلافات الحادة بينهما حول تقسيم الحدود وطرد اللاجئين الأفغان من باكستان.
ثانياً: باكستان تحت الضغط – الإنكار أم التكيّف؟
باكستان من جانبها، نفت أي صلة بالهجوم، واعتبرت الاتهامات الهندية محاولة للهروب من الإخفاقات الداخلية، لا سيما في كشمير، حيث تتصاعد مشاعر العداء تجاه القوات الهندية. لكن موقف باكستان بدا محرجًا أمام المجتمع الدولي، خاصة وأنها تعاني من أزمة اقتصادية خانقة تحتاج خلالها لدعم دولي وشراكات جديدة.
الخيارات أمام إسلام أباد محدودة:
التهدئة وتقديم تنازلات رمزية.
التصعيد الإعلامي والدبلوماسي لمحاولة كسر الحصار السياسي المفروض.
أو الدخول في “لعبة شطرنج استخباراتية” عبر دعم مجموعات تنشط في كشمير دون ترك بصمات واضحة.
ثالثاً: هل تتجه الهند نحو سياسة “الردع الاستباقي”؟
ما يثير القلق هو الحديث المتزايد في الدوائر الهندية عن “الردع الاستباقي” — أي تنفيذ ضربات محدودة داخل الأراضي الباكستانية ضد أهداف تعتبرها نيودلهي مصدر تهديد، كما حدث في عملية “بالاكوت” عام 2019. هذه العقيدة الجديدة، إذا ترسّخت، قد تقود إلى انفجار إقليمي في أي لحظة، خاصة أن باكستان أعلنت مرارًا أن أي اعتداء على أراضيها سيقابل بـ”رد شامل”. حتى لن تتوانى اسلام آباد من استخدام السلاح النووي في حال شعرت أنك هناك تهديدا” لأمنها القومي.كما أجرت باكستان تجربة صاروخية -أرض أرض تزامنت مع لصاروخ باليستي يبلغ مداه 450 كم وسبق وان أدخلته في خدمة الجيش الباكستاني الأمر الذي اعتبرته نيودلهي ” عملا” استفزازيا” “
رابعاً: السيناريوهات المحتملة بعد الانقطاع والتصعيد
صدام محدود ثم تهدئة: تنفيذ الهند لضربات نوعية، يقابلها رد باكستاني محسوب، ثم تدخل أطراف ثالثة (مثل الولايات المتحدة ،روسيا،الصين أو دول الخليج) لاحتواء الأزمة.
حرب باردة طويلة الأمد: انقطاع دائم للعلاقات الدبلوماسية، وتحول النزاع إلى صراع غير مباشر عبر الإعلام، والاقتصاد، والوكلاء المحليين.
انفراج مشروط: في حال تغير القيادة في أحد البلدين، أو حصول تحولات إقليمية (مثل تفاهمات هندية خليجية)، قد يُفتح الباب لمفاوضات أمنية.
سيناريو كارثي: أي خطأ في التقدير أو مواجهة ميدانية غير منضبطة قد يؤدي إلى صدام نووي محدود أو إلى فوضى ممتدة في جنوب آسيا.
خاتمة
لم يخف السيد نيشكانت دوبي، عضو البرلمان الهندي عن حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم ، نية حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي تفكيك باكستان واستعادة الجزء الباكستاني لإقليم كشمير المتنازع عليه. “. وأضاف قائلاً: “أقول هذا بثقة تامة. إذا لم تُقسّم باكستان إلى أجزاء متعددة بحلول نهاية هذا العام، يُمكنكم اتهام حزب بهاراتيا جاناتا بتقديم وعود كاذبة. ستنتهي باكستان؛ هذا ضمان مودي. هذه التصريحات الخطيرة على لسان مسؤول في الحزب الحاكم،لايمكن النظر إليها على أنها لامتصاص الغضب الداخلي وحشد الرأي العام لصالح الحزب فحسب, بل تشكل تصعيدا” محفوفا” بالمخاطر و تكشف النقاب عن الكثير من المخططات الهندية ضد باكستان للحزب الذي تبنى رؤوية عدوانية شاملة.
تصريحات السيد دوبي تعبّر عن تحول نوعي في ذهنية الحكم داخل الهند؛ من سياسة الدفاع والردع إلى استراتيجية هجومية شاملة تستهدف تفكيك الخصم من الداخل سياسيًا ومجتمعيًا. قد تكون هذه التصريحات مجرد حرب إعلامية مدروسة، لكنها تفتح الباب أمام احتمالات كارثية إذا اقترنت بسلوك سياسي أو عسكري فعلي.
إذا”، الهجوم الأخير في كشمير تجاوز كونه عملية إرهابية، ليصبح نقطة تحوّل مفصلية يهدد بإعادة رسم مسار النزاع التاريخي بين الهند وباكستان. ومع دخول الهند مرحلة “الهجوم الاستباقي”، وارتفاع سقف الرد الشعبي، قد تجد باكستان نفسها أمام خيارات صعبة بين التصعيد والتنازل.
يتجه عام 2025 ليكون عامًا مفصليًا في مسار العلاقة بين القوتين النوويتين الجارتين، مع مؤشرات واضحة على كسر قواعد الاشتباك التقليدية والانفتاح على نمط جديد من الصراع الاستراتيجي، تتداخل فيه الحسابات الاستخباراتية بالمكونات العرقية والمشاريع السياسية العابرة للحدود. هذا التحول لا يعكس فقط تصعيدًا في حدة التوتر، بل يشير إلى دخول مرحلة أكثر تعقيدًا قد يصعب احتواؤها بالوسائل الدبلوماسية التقليدية.
في المقابل، فإن الانجراف نحو المواجهة المباشرة لا يبدو خيارًا عقلانيًا لأي من الطرفين، نظرًا لما ينطوي عليه من خسائر متوقعة تتجاوز الحدود الجغرافية لتطال البنية الأمنية والسياسية للإقليم بأسره. هنا تتبلور مسؤولية القوى الكبرى، لا كمراقب سلبي، بل كفاعل ملزم بطرح مبادرات احتواء ذكية، تمنع تحول التنافس إلى صدام شامل.
فهل نحن أمام إرهاصات تفكك نظام ردع تقليدي ظل صامدًا لعقود؟ أم أن ما نشهده هو بداية صراع بارد جديد بأدوات أكثر خطورة وأقل وضوحًا؟ الأرجح أن المنطقة تقف على حافة إعادة تشكّل عميقة، وأن مآلات اللحظة الراهنة ستُرسم في كواليس السياسة قبل ميادين المواجهة.
لننتظر ونراقب
صحفي سوري -مستشار أول في مؤسسة تيليتوما للدراسات الاستراتيجية -الهند
www.waielawwad.com