الأمازيغية في الجزائر بين الإيديولوجيا والهوية؟

الأمازيغية في الجزائر بين الإيديولوجيا والهوية؟

الباحثة سامية بن يحي

رغم الاتفاق حول تحديد هوية السكان الأصليين في الجزائر على أنهم أمازيغ أو بربر، إلا أن الخلافات سرعان ما تطفو على الساحة من جديد حول طبيعة الهوية الأمازيغية أمام التعدد اللغوي الذي تعرفه من قبائلي، وشاوي، ومزابي، وتارقي. من جهة وشرعية المطالب التي تتبناها مختلف الحركات الأمازيغية من جهة أخرى.
يذكر المؤرخ الجزائري عبد الرحمن الجيلالي في كتابه “تاريخ الجزائر العام” يقول أن أول من عرف في التاريخ المسجل من سكان هذا الوطن إنما هم البربر الذين ينتشرون بصورة خاصة في بلدان المغرب، والجزائر، وتونس وليبيا وحتى مصر “.
فكلمة أمازيغ تعني في اللغة الأمازيغية “الإنسان الحر النبيل”، وكان الرومان يطلقون على القبائل المنتشرة في الشمال الإفريقي اسم بربر، وأصل الكلمة يوناني وتعني البرابرة، كما أطلقت هذه التسمية على كل من هو غير روماني…”
لقد اختلف العلماء والمؤرخين في نسب الأمازيغ منهم من ينسبهم إلى مازيغ ابن كنعان بن حام، ومنهم من ينسبهم لأجناس أوروبية لكن المتتبع تاريخيا يجد أنهم أقوام اختلطت مع اليونانيين، والفينيقيين والايطاليين ، وقيل أنهم من السامين.
ومع الفتح الإسلامي لمصر 611 م تم فتح المغرب العربي على يد عقبة بن نافع، وحسان بن النعمان، وموسى بن نصير دخل البربر الإسلام، وشاركوا في فتوحات الجيش الإسلامي في اسبانيا، وكان من أشهرهم القائد طارق بن زياد.
شارك البربر في بناء الحضارة المصرية القديمة من أبرزهم ششناق وفي حضارة الفينيقيين أيضا، وبعد سقوط قرطاجة 146 ق م تأسست دولة نوميديا الأمازيغية .
ويبلغ عدد الأمازيغ 55 مليون نسمة في العالم منهم 20 مليون في العالم العربي وموطنهم شمال إفريقيا من غرب مصر القديمة إلى جزر الكناري، ومن حدود جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى في النيجر، ومالي.
يتحدث الأمازيغ اللغة الأمازيغية بتنوعاتها، واعتمدت خط التيفيناغ، ومن أشهر أعلام الأمازيغ نجد ماسينيسا، يوغرطا، وغيرهم.
أما الأمازيغ في الجزائر فهم مزيج بين : القبائلية، الشاوية المزابية، التوارق.
أمام هذا اللغط الحاصل تسائل الكثير حول مشروع دسترة اللغة الأمازيغية في الجزائر هل كان استحقاقا أم احتواء للأزمة فقط؟
فلم تأتي دسترة اللغة الأمازيغية في الجزائر كمكون أساسي للهوية الجزائرية من فراغ ،إذ مرت بمخاض عسير وطويل كانت بداياته عام 1949 على خلفية الصراع بين القبائل في حزب لشعب الجزائري حول الهوية الجزائرية بين العروبة والاسلام من جهة والأمازيغية وما قبل الإسلام من جهة أخرى انتهى الصراع بإقصاء دعاة الأمازيغية من الحزب .
وفي عام 1980 شهدت منطقة القبائل حركة احتجاجية بسبب منع مولود معمري أحد أبرز منظري الأمازيغية من إلقاء محاضرة حول الشعر القبائلي القديم ، ثم زادت حدة الاحتجاجات بعد اعتقال العديد من نشطاء الحركة الأمازيغية لتنفجر في فترة التسعينيات حيث قامت السلطة تحت قيادة الرئيس ليمين زروال بامتصاص حدة الغضب و أُنشِئَت المحافظة السامية للأمازيغية، ثم  تم اعتماد تدريسها في منطقة القبائل، وادخالها في وسائل الإعلام عبر نشرات تلفزيونية ناطقة بالأمازيغية في 1995 وسميت بأحداث الربيع الأمازيغي.
لم يقف الربيع الأمازيغي عند هذا الحد حيث شهد عام 2001 أحداثا دامية في المنطقة كان سببها المباشر مقتل طالب ثانوي في مقر الدرك الوطني أدى الى ربيع أمازيغي ثاني أسود كما أطلق عليه راحت ضحيته أكثر من 126 قتيل، ولم يهدأ الوضع حتى تم التفاوض مع ممثلي تنسيقية العروش التي تشكلت آنذاك في المنطقة القبائلية أثمرت بإعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية في 2002عام ودسترتها كأحد مقومات الهوية الوطنية.
لقد كان قرار ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية مكسبا سياسيا وثقافيا للحركة الأمازيغية غير أن قرار الإعتراف بها كلغة وطنية لم يحدد طبيعة الأمازيغية الوطنية ولا طريقة تدريسها من حيث الكتابة المعتمدة ولا طبيعة الآليات التي ستعتمدها السلطة مستقبلا ولا  كيفية تعميمها، وهو ما تم التحذير منه من قبل المختصين.
هذا التجاهل والغموض من قبل الحكومة في وقتها خلْف اليوم أزمة جديدة بأبعاد قد تكون أكثر خطورة من سابقاتها، فالدستور الجزائري لسنة 2016 كرس الأمازيغية لغة وطنية، ورسمية إلى جانب اللغة العربية.
إن سطحية التعامل مع طبيعة وخصائص الهوية الوطنية أفرز اليوم استمرار التسييس والمناورات السياسية بشأن القضية الأمازيغية بشكل يبرز عمق وتجذر الفراغ السياسي في الجزائر، وانقسام جلي بين أوساط من يمثل تيار “العروبيست” وتيار “البربريست” والنخب السياسية، والحركة الثقافية الأمازيغية في ظل غياب مناخ ديمقراطي حقيقي قائم على الحوار البناء للحلول دون أدلجة اللغة الأمازيغية، واستغلالها من أطراف داخلية أو خارجية تسعى الى تقسيم الجزائر.
فلطالما حذر العقلاء من محاولات أدلجة المطلب الأمازيغي لصالح أطراف خارجية تنطلق من كل ما هو اثني، وطائفي لتفتيت الدول العربية والنامية.
وهذا ما شهدته الجزائر عبر محاولات حثيثة من حركة الماك 2007  بقيادة المغني السابق فرحات مهني الذي نادى بحكم ذاتي، وحكومة مستقلة عن الحكومة المركزية، لكن رغم نشاطاتها الساعية لدعم الهوية الأمازيغية، ووقوفها خلف العديد من الاحتجاجات، والمظاهرات إلا أن منطقة القبائل رفض أغلب سكانها تبني مطلب الحركة الداعي للانفصال.
فهل تدرك الحكومة الجزائرية اليوم حقيقة ما يحاك ضدها، وتستفيد من نتائج مخططات التقسيم باسم العرق، واللغة أم أنها مجرد إثارة لقلاقل لا تستدعي كل هذا التخوف والتهويل ورد الفعل الاعلامي؟
في ردود كثيرة أجمع أغلب الجزائريين أنهم ضد تسييس الأمازيغية وضد كل تقسيم للجزائر رغم تطرف البعض منهم ورفضه للهوية الأمازيغية، واعتبارها مجرد كذبة.
وبعد تصريحات الدكتور بلغيث تحول الجدل السياسي بشأن الهوية الأمازيغية إلى بعد إيديولوجي أكثر منه هوياتي من خلال السجال المحتدم بين مؤيدي ما ذهب إليه الدكتور ومعارضيه
هذا يدعو الكثيرين في الجزائر إلى التعقل والتعامل مع القضية بحكمة لأن التعاطي مع القضية الأمازيغية في الجزائر يتطلب الابتعاد عن الجهوية والعنصرية وكل محاولات إلغاء الآخر ونبذ كل الاتهامات الاستفزازية لكل طرف من الأطراف بتحميله المسؤولية في محاولة جر الجزائر للتقسيم العرقي.فالهوية الأمازيغية تعبر عن المكون الثقافي للدولة الجزائرية الذي لا مجال لإنكاره.
لذا يجب على الدولة الجزائرية ضمان وحدة الشعب الجزائري والدفاع عن حقوق المواطنين وقيم الحرية والديمقراطية والوعي الفكري الحضاري.
بل لابد أيضا من إظهار الصورة الإيجابية من طرف كل الأطياف الأمازيغية وربط مسيرتها النضالية بالوحدة الجزائرية التي تجمع بين الإسلام والعروبة و كل المكونات الثقافية دون إقصاء لأي طرف.
كاتبة جزائرية
[email protected]