عنق الزجاجة وجرس الإنذار الاردني

عنق الزجاجة وجرس الإنذار الاردني

 

زهير الشرمان
الأردن يقف على عتبة أزمة اقتصادية مركبة تستدعي مراجعة شاملة ومعالجات جذرية، دولة محاطة بالألغام والمعوقات الاقتصادية من الخارج، وبالاحباط الاجتماعي من الداخل، منذ أعوام عجاف والأردن يدور في دوامة لا تنتهي من الاقتراض والتقشف حيث تتحول برامج الإصلاح من أدوات إنقاذ إلى أدوات تآكل ذاتي تنذر بحنق اجتماعي صامت مؤجل.
رغم مليارات الدولارات التي تدفقت على شكل مساعدات وقروض لا يزال الاقتصاد الأردني يراوح مكانه محاصرا بعجز مزمن في المالية العامة، وبيئة استثمارية غير جاذبة، ومجتمع شاب يئن تحت وطأة بطالة تقترب من 22%  وسط أفق ضبابي ولا حلول ناجعة عملية لمعالجتها.
بحسب آخر بيانات البنك المركزي الأردني حتى شباط 2025، بلغ الدين العام 44.8 مليار دينار أي 117.4 بالمئة من الناتج المحلي، منها أكثر من 10.2 مليار دينار تستنزف من صندوق الضمان الاجتماعي نفسه في سابقة ربما قد تنعكس سلبا على الأمن المالي للأجيال القادمة بحسب مختصين،
والأمر الأسوأ هو أن هذه المديونية لا تولد نموا، بل تستخدم لتدوير عجلة العجز.
أقسى ما في التجربة الأردنية أن إجراءات التقشف المفروضة باسم الإصلاح الاقتصادي والاستدامة لم تخلق تنمية، بل عمقت هشاشة الفقراء وأضعفت قدرة الطبقة الوسطى على الصمود في وجه الضغوط المعيشية المتزايدة، بدءا من ارتفاع أسعار الكهرباء وتقليص الدعم وزيادة الضرائب، جميعها تمت في بيئة تفتقر للمساءلة وبلا إصلاح مواز في التعليم أو الصحة أو البنية التحتية أو المشاريع الرأسمالية.
أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة فقد تراجعت بنسبة 18.5 في المئة في عام 2024، لتبلغ 1.637 مليار دولار فقط، في بلد لا يعاني من نقص الموارد بل من وفرة العوائق الإستثمارية، فالشركات الصغيرة تخنقها البيروقراطية والكبيرة تتردد بسبب غياب الثقة والتقلب الضريبي والتشريعي.
جيل كامل من الأردنيين يواجه تحديات البطالة أو يفكر بالهجرة بحثا عن فرص أفضل فيما تشكل النساء النسبة الأعلى من الباحثين عن عمل، والخريجون يصطدمون بواقع محدودية الفرص. لم تعد التحديات الاقتصادية شأنا فنيا محصورا بالأرقام، بل أصبحت تمس النسيج الاجتماعي برمته وتفرض مراجعة شاملة للسياسات القائمة.
ما يحتاجه الأردن ليس إصلاحات تجميلية، بل عملية قلب اقتصادية مفتوحة شاملة للمنظومة، ولأن الجراح المفتوحة لا تعالج بالمسكنات إليك سبع خطوات غير تقليدية ربما تساعد القلب الاقتصادي المنهك والمضطرب للعودة إلى النبض الطبيعي:

تحويل الدين الداخلي إلى صكوك إنتاجية مرتبطة بمشاريع حقيقية بدلا من استنزاف القروض لسد العجز مما يساعد في إعادة توجيه التمويل نحو خلق قيمة مضافة وفرص عمل.

ربط أسعار الكهرباء الصناعية بنسبة التوظيف وقيمة الإنتاج لا بالاستهلاك فقط مما يحفز المصانع على التوسع في التوظيف وزيادة الإنتاجية بدل خفض الاستهلاك فقط.

اعتماد نموذج الخصخصة المعكوسة حيث تستثمر الدولة مؤقتا في المشاريع الناجحة التي يعزف عنها القطاع الخاص ثم تعيد خصخصتها لاحقا بشروط تضمن العدالة واستمرار النمو.

إصدار عملة إلكترونية محلية غير قابلة للتحويل خارجيا موازية للدينار لدعم السوق الداخلي وتخفيف الضغط على الاحتياطي الأجنبي وتحفيز الاقتصاد غير النقدي.

تشكيل مجلس استثمار شعبي بصلاحيات رقابية على عمليات الخصخصة والمشاريع الكبرى بما يضمن الشفافية والمساءلة الحقيقية الصارمة ويعيد الثقة بالبيئة الاستثمارية.

فرض رسم سنوي على الأصول النقدية غير الموظفة اقتصاديا كأموال البنوك أو الحسابات الراكدة الكبيرة لتشجيع تدوير السيولة في قطاعات الإنتاج لا الاكتناز.

إعادة التوطين الاقتصادي الداخلي للمناطق المهمشة عبر نقل جزء من الاستثمارات العامة والخاصة إلى الأطراف من خلال حوافز ضريبية وتشريعية مما يعيد توزيع النمو ويكسر تمركز التنمية في العاصمة ويخلق فرصا إنتاجية في الأطراف.

الأردن لا يفتقر إلى العقول ولا إلى الطاقات بل إلى قرار يتجاوز منطق إدارة الأزمة إلى عقلية تفكيك أسبابها فالإصلاح اليوم لم يعد خيارا مؤجلا بل ضرورة ملحة.
وقد كتب كروغمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد مرارا محذرا من أن السياسات التقشفية غير المدروسة وتجاهل لحظة الإصلاح يفاقمان هشاشة الاقتصاد ويحولان الأزمة من ظرف طارئ إلى حالة مزمنة وفي الحالة الأردنية فإن كل تأخير في الاعتراف بجوهر المشكلة وكل تكرار لسياسات الترقيع ليس إلا إعلانا ضمنيا بتحميل الأجيال القادمة ما لا طاقة لها به من ديون وركود وغياب أفق.
الكرة الآن في ملعب صانع القرار الاقتصادي فهل يختار طريق الشجاعة والإصلاح الحقيقي أم نواصل السير مغمضي الأعين في طريق غامض لا يُثمر نموا حقيقيا ولا يحقق استقرارا معيشيا.
ما ورد في هذا المقال يعبر عن راي تحليلي مبني على بيانات رسمية منشورة ولا يستهدف أي جهة أو مؤسسة بعينها.
كاتب فلسطيني