رهف عياد.. طفلة تنهشها الإبادة في غزة وسط عجز طبي وحصار خانق

غزة/ محمد ماجد/ الأناضول
في قطاع غزة الذي يرزح تحت نيران الإبادة الإسرائيلية وحصار خانق، تصارع الطفلة الفلسطينية رهف عياد مرضا نادرا وغامضا نهش طفولتها بصمت، وأفقدها القدرة على المشي وتسبب في تساقط شعرها، في ظل عجز طبي كامل ونقص حاد في الغذاء والدواء.
رهف (10 أعوام) التي كانت تلعب وتلهو بين إخوتها، باتت اليوم تتنقل بين المستشفيات والعيادات، بعدما تدهورت حالتها الصحية أكثر جراء سوء التغذية الناتج عن شح الغذاء في قطاع غزة، جراء تداعيات حرب الإبادة.
**وجع بلا تشخيص
في أحد أجنحة مستشفى الرنتيسي بمدينة غزة، يقف أحد الأطباء أمام سرير الطفلة رهف، التي كانت ذات وجه مشرق وشعر كثيف وجسد قوي، قبل أن ينهكها المرض وتغلبها المعاناة.
اليوم، ترقد بصمت وعيناها الذابلتان تترقبان نظرات والدتها التي لا تفارقها، بينما يغطي الشحوب ملامح وجهها الصغير، في صورة تخلص وجعها.
وفي ظل ما تعانيه، تأمل رهف ووالدتها، كما هو حال آلاف الأطفال في قطاع غزة، أن تستعيد عافيتها وتعود إلى مقاعد الدراسة، بعد أن حرمتها الحرب من حقها في التعليم والصحة والحياة الآمنة.
والسبت، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، ارتفاع عدد الوفيات بسبب سياسة التجويع الإسرائيلية إلى 57 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، محذرا من تزايد العدد في ظل إغلاق تل أبيب للمعابر ومنعها دخول المساعدات الإغاثية منذ شهرين.
ولأكثر من مرة، حذر مسؤولون فلسطينيون حكوميون وأمميون من مخاطر استمرار إغلاق إسرائيل للمعابر ومنعها دخول الإمدادات الأساسية من غذاء وأدوية ووقود ومياه للقطاع منذ شهرين.
**آلام شديدة وتساقط شعر
وقالت والدتها شروق عياد للأناضول: “طفلتي تعاني من مرض غير معروف، عندها انتفاخ في الجسم، آلام شديدة في العظام، وتساقط شعر”.
وأوضحت أن الأطباء في غزة عاجزون عن تشخيص حالتها بسبب نقص المعدات الطبية والأدوية.
ولفتت إلى أنها أجريت لطفلتها عدة تحاليل، لكننا لم نصل إلى تشخيص، والأطباء أبلغوها أنه حتى لو تم التشخيص لا يوجد علاج متوفر داخل غزة نتيجة الحصار وإغلاق المعابر.
وأشارت إلى أن سوء التغذية فاقم من حالة طفلتها، في ظل عدم قدرتها على توفير الغذاء المناسب.
وتتمنى الأم أن تنقل رهف للعلاج في الخارج وفتح المعابر، في ظل ما تعانيه من وضع صحي صعب.
وأوضحت أن “أطفالنا يموتون امام أعيننا ولا نقدر على فعل شيء”.
وقالت الأم شروق: “أطفالنا يموتون أمام أعيننا، ولا نقدر على فعل شيء”.
**نقص معدات طبية
من جانبه، قال الطبيب راغب ورش أغا، رئيس قسم الجهاز الهضمي والمناظير في مستشفى الرنتيسي، للأناضول: “حالة رهف لا يوجد تشخيص واضح لها، لكن المؤكد أنها تعاني من سوء تغذية وسوء امتصاص ونقص حاد في الوزن”.
وأضاف: “إذا استمر هذا الوضع، فإن ضعف جهاز المناعة نتيجة الهزال سيعرض الطفلة لمضاعفات خطيرة، قد تصل إلى الوفاة”.
ودعا ورش أغا إلى ضرورة فتح المعابر بشكل عاجل لإدخال المواد الغذائية والمستلزمات الطبية الأساسية التي تمكن الطواقم الصحية من تشخيص وعلاج الحالات المعقدة.
وقال: “تشخيص أي حالة مرضية يتطلب أدوات ومختبرات متقدمة، وهي غير متوفرة في غزة تحت الحصار”.
وخلال الإبادة المستمر، دمر وأحرق الجيش الإسرائيلي 38 مستشفى، خرج معظمها عن الخدمة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.
كما أدى الاستهداف المباشر الإسرائيلي إلى توقف 81 مركزا صحيا و164 مؤسسة طبية عن العمل، حسب المكتب.
ومطلع مارس/ آذار 2025، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، لكن إسرائيل تنصلت منه، واستأنفت الإبادة في 18 من الشهر نفسه.
ومنذ 2 مارس الماضي، أغلقت إسرائيل معابر القطاع أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية والبضائع، ما تسبب بتدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين وفق ما أكدته تقارير حكومية وحقوقية ودولية.
ويعتمد فلسطينيو غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، بشكل كامل على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية التي تواصل إسرائيل ارتكابها منذ 19 شهرا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
وتأتي هذه الأزمة الإنسانية في ظل نزوح أكثر من 90 بالمئة من فلسطينيي القطاع من منازلهم، بعضهم مر بهذه التجربة لأكثر من مرة، حيث يعيشون داخل ملاجئ مكتظة أو في العراء، ما زاد من تفشي الأمراض والأوبئة.
وبدعم أمريكي مطلق، منذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 170 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل.