قاسم صالح: موريتانيا: من خطاب المكونات إلى أفق المواطنة “برؤية تاريخية واقعية”

قاسم صالح: موريتانيا: من خطاب المكونات إلى أفق المواطنة “برؤية تاريخية واقعية”

 

قاسم صالح

كما قال الأستاذ نقيب المحامين: لقد آن الأوان لأن نغيِّر زاوية النظر، وأن ننتقل من عقلية التوازنات إلى ثقافة الحقوق، ومن خطاب المكونات إلى لغة المواطنة. إنّ هذا التصريح لا يمثل مجرد ترفٍ لغوي، بل يعكس حاجة ملحة إلى إعادة صياغة العقد الاجتماعي في موريتانيا على أسس جديدة، تنقلنا من منطق الترضيات الفئوية إلى مشروع وطني متماسك.

خلفية تاريخية: من لحظة التأسيس إلى لحظة التصدع

عند تأسيس الدولة الموريتانية مطلع الستينيات، ساد خطاب وحدوي عبّر عنه الزعيم المختار ولد داداه، حيث اعتُبر التنوع الثقافي (العربي، الإفريقي، الحساني، الزنجي) مصدر غنى. لكن سرعان ما تراجعت هذه الرؤية تحت ضغط التوازنات الإثنية والإيديولوجيات المتنافسة، فظهرت مقولات اللحمة الوطنية كعناوين توفيقية، دون بناء قواعد عدالة شاملة.
ثم جاءت العقود اللاحقة لتشهد ما يمكن وصفه بـتسييس المكونات، حيث أصبح الخطاب العام أسيرًا لمنطق التمثيل العددي والشرائح الاجتماعية، لا لمنطق الكفاءة والمواطنة، وبرزت بذلك ثنائيات قاتلة: لحراطين والبيظان، الزنوج والعرب، العبيد والأسياد… إلخ. وهي ثنائيات تشبه ما يسميه علماء الأحياء الانقسام الميتوزي، الذي يكرر الخلية في شكلها، لكنه يفتتها في جوهرها.

أمثلة واقعية من موريتانيا:

اللحراطين: بدل أن يُدمجوا في مشروع مواطنة متساوية، استُخدموا كورقة سياسية من أطراف متناقضة، بين من يرفع شعارهم ويتاجر به، ومن ينكر وجود مظلوميتهم التاريخية. وهذا ما ولّد حالة من الاستقطاب السياسي حول ملفهم بدل معالجة جوهره الحقوقي والاجتماعي.
الزنجية الثقافية: بدل أن تكون الرافد الإفريقي في الهوية الوطنية، جرى تهميشها في بعض مراحل الدولة، ما دفع شرائح من المجتمع للتطرف في المطالب القومية أو اللغوية، مثل حركات الفلان والسوننكي و الولوف، التي ارتبطت أحيانًا بخطابات عابرة للحدود الوطنية.
البيظان: وهم الفئة التي حُمِّلت غالبًا مسؤولية التاريخ والاسترقاق، وبدل أن يتم نقد البنية الاجتماعية بشكل موضوعي، أصبحت تُجرَّم جماعيًا، مما زاد الشرخ بدل رأبه.

نحو ثقافة المواطنة الجامعة

البديل ليس في الإنكار ولا في التبسيط، بل في البناء على قاعدة الحق لا الهوية. وهذا يتطلب:
مراجعة المناهج التعليمية لتُكرّس القيم الوطنية الجامعة، وتُقدّم رواية وطنية تُنصف الجميع ولا تُقصي أحدًا.
إصلاح العدالة بحيث تكون مستقلة فعلًا، قادرة على ردّ المظالم دون وساطة قبلية أو سياسية.
إعادة تعريف الهوية الوطنية على قاعدة عربية إسلامية إفريقية، تحترم مكونات اللغة والثقافة، ولكنها تُذيبها في بوتقة الانتماء العام، لا الانغلاق الإثني.
قد آن الأوان، كما قال نقيب المحامين الاستاذ بونا ولد الحسن، لأن نرفع الصوت عاليًا: لا أقليات في موريتانيا، بل شعب واحد، متنوع ومتآخٍ، موحَّد بلغته العربية، متمسك بأرضه، متطلع لمستقبل يليق بتاريخه. أما الاستمرار في خطاب المكونات والمحاصصة فهو طريق الانقسام والانكماش، لا طريق النهضة والبناء.
كاتب موريتاني