خليل العالول: لماذا أُعلنت الحرب على الاخوان المسلمين منذ ما سمي الربيع العربي

خليل العالول: لماذا أُعلنت الحرب على الاخوان المسلمين منذ ما سمي الربيع العربي

 

خليل العالول

لقد كانت العلاقة بين حركة الاخوان المسلمين والأنظمة العربية التابعة للولايات المتحدة الامريكية علاقة جيدة سمن وعسل كما يقولون مثل دول الخليج والأردن، أما في مصر فقد كان للإخوان المسلمين نشاط قوي خاصة بعد استلام أنور السادات الحكم وبتنسيق مع دول الخليج، وكانت هذه الدول تدعم الحركات الإسلامية وتعمل على احتوائها وكان الهدف الأول من ذلك هو محاربة الفكر القومي العربي الذي أشعله الرئيس جمال عبد الناصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 والذي كان يسعى إلى تحرر الدول العربية من التبعية للدول الغربية الاستعمارية وتحقيق حلم الجماهير العربية في تحقيق الوحدة العربية وبناء استقلالها ونهضتها وقوتها، ولقد رأينا كيف وقفت هذه الدول العربية ضد الوحدة بين سوريا ومصر التي سميت الجمهورية العربية المتحدة وقد دفعت هذه الدول الملايين من الدولارات لإسقاط هذه الوحدة وبالتعاون مع الدول الغربية الاستعمارية، وقد استخدمت هذه الدول الدين الإسلامي والحركات الإسلامية لمحاربة فكرة الوحدة العربية على أن الوحدة العربية تتناقض مع الدين الإسلامي،   فكرة وحدة القوم الواحد او وحدة العائلة الواحدة او العوائل العربية وهي الخطوة الأساسية لبناء قوة الامة واستقلالها ونهضتها، كما أن تحرر الشعوب العربية واستقلالها ووحدتها ونهضتها هي الأساس لدعم الشعوب الإسلامية وتحررها من المستعمرين وتوحيد صفوفها وبناء نهضتها وتحقيق العدالة والسلام للشعوب العربية والإسلامية ولكل شعوب العالم، كيف يمكن تحقيق وحدة بين الدول الإسلامية والشعوب العربية لا زالت مشتتة متنازعة غير مستقلة وغير موحدة.
الرسول محمد عليه الصلاة والسلام قام بالخطوة الأولى وهي توحيد القبائل العربية وبناء المجتمع الصالح وتحقيق العدالة والمساواة بين جميع افراد المجتمع والذي أدى الى بناء مجتمع قوي مؤمن متراص أدى الى بناء جيش عربي قوي قام بالفتوحات الإسلامية وانتصر على أكبر امبراطوريتين في العالم في ذلك العصر.
لقد نجحت الدول العربية التابعة للدول الغربية الاستعمارية نجحت الى حد كبير في ضرب فكرة الوحدة العربية باستخدام حركات إسلامية وتوظيف شيوخ دين شيوخ السلاطين من خلال امبراطوريات إعلامية على ان الوحدة العربية حرام  ويجب المطالبة بوحدة إسلامية بدل الوحدة العربية،  هذه الدول في الحقيقة لا تسعى لوحدة إسلامية ولا عربية فهي العدو الأول للوحدة وحدة الشعوب على مبادئ الحرية والعدالة، وهي بعيدة كل البعد عن مبادئ ديننا الإسلامي الذي يدعو الى تحقيق العدالة والمساواة بين الناس وبين الحاكم والمحكوم، وقد ركزت في حملاتها الإعلامية الإسلامية على الأمور الشكلية والسطحية مثل طول الشعر واللحية واللباس وابتعدت عن مبادئ الدين الإسلامي الجوهرية في انتخاب الحكومة الرشيدة وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين وتحقيق الاستقلال ورفض التبعية للأعداء.
الهدف الثاني من دعم الحركات الإسلامية مثل حركة الاخوان المسلمين من قبل الدول التي ذكرناها كان لهدف إعطاء نوع من الشرعية للأنظمة السياسية لهذه الدول عن طريق إعطائها مساحة من الحرية ما دامت لا تعادي النظام السياسي، اما الدول العربية التي يوجد فيها برلمانات كانت هذه الدول تسمح لعدد محدود من الإسلاميين بحيث لا يوجد لهم أي تأثير على قرارات النظام السياسي وبالتالي يتم احتوائها لتقول للشعب انها تدعم الإسلام والمسلمين حتى يكون لها شرعية شعبية، وقد بقيت سياسة هذه الدول الديكتاتورية الفاسدة والاستبدادية تستخدم الإسلام وحركة الاخوان المسلمين لدعم وجودها وشرعيتها حتى مجيئ ما سمي الربيع العربي سنة 2011 .
لقد شهدت الحركات الإسلامية وعلى رأسها حركة الاخوان المسلمين تطورا كبيرا وشكلت قوة شعبية هيمنت على الشارع العربي في حقبة ما بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وكان للحملات الإعلامية الإسلامية التي تبنتها دول الخليج دور كبير في ذلك، خاصة بعد الفشل الذريع للدول العربية التي رفعت شعار التحرر والوحدة في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر التي سيطرت عليها قيادات عسكرية تعمل لمصالحها الخاصة مما أدى الى فسادها واستبدادها وابتعاد الجماهير عنها.
عندما فاجئت انتفاضات الشعوب العربية الدول العربية والعالم عام 2011 ما سمي الربيع العربي واستطاعت  إسقاط النظام السياسي في تونس ومصر واليمن وهزت الأنظمة العربية الأخرى، استطاعت حركة الاخوان المسلمين التي انضمت الى الانتفاضات الشعبية استطاعت الوصول الى السلطة في كل من تونس ومصر والمغرب  عن طريق الانتخابات النزيهة والتي حدثت لأول مره في تاريخ هذه الدول العربية، حركة الاخوان المسلمين لم تقود الانتفاضات الشعبية بل كانت أكثر الحركات والأحزاب السياسية تنظيما وعددا وهي الأقوى في الشارع العربي لذلك فازت في اول انتخابات نزيهة تحصل في هذه الدول وهي المرشحة بالفوز في جميع الدول العربية اذا حدثت انتخابات نزيهة في هذه الحقبة التاريخية حسب متابعتي.
الأنظمة العربية الرجعية ومن ورائها من أجهزة المخابرات الغربية صُدمت نتيجة سقوط بعض الأنظمة العربية وبدأت تأخذ زمام المبادرة والقيادة في إدارة الازمة وتوجيه الصراع لمصلحتها ، هذه الأنظمة العربية مع أجهزة المخابرات الغربية تملك القوة الأمنية والمال والإدارة المتفوقة في ظل غياب قيادات جماهيرية واعيه تعرف الى أين هي ذاهبة، الأجهزة الأمنية العربية والغربية أعلنت الحرب على حركة  الاخوان المسلمين في مصر وتونس والمغرب والأردن وفي كل الدول العربية واسقطت حكمهم في مصر ثم لاحقا في المغرب وتونس ليس لانهم اخوان مسلمين بل لان لديهم مشروع إصلاحي يعمل على تغيير النظام السياسي الى حد ما وهذا غير مقبول من الأنظمة العربية الرجعية وأجهزة المخابرات الغربية المرتبطة بالصهيونية، وهذا ينطبق على أي حركة سياسية عربية جديدة تسعى للإصلاح والتغيير في أنظمة الفساد والاستبداد العربية.
في هذه المرحلة أعلنت الدول العربية حربها على حركة الاخوان المسلمين الذين لم تستطيع احتوائهم لانهم أقوى تنظيم سياسي اجتماعي مرشح بالفوز في أية انتخابات تحدث في الدول العربية وأصبغتهم بتهمة الإرهاب وفي نفس الوقت قامت أجهزة مخابرات هذه الدول العربية الرجعية بالتعاون مع أجهزة المخابرات الغربية بتنظيم حركات إسلامية تكفيرية تابعة لها تعاونت معها حركة الاخوان المسلمين في إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا بقوة السلاح بمشاركة قوات حلف الناتو والتي حاولت اسقاط النظام في كل من سوريا والعراق والتي نجحت أخيرا في إسقاط نظام الأسد في سوريا.
أعتقد أن حركة الاخوان المسلمين قد فشلت حتى الان في قيادة الجماهير العربية للتغيير رغم أنها تشكل أقوى تنظيم سياسي شعبي في الدول العربية للأسباب التالية حسب اعتقادي:
1-لم تستطيع حركة الاخوان المسلمين التي تتميز بالاعتدال والعقلانية لم تستطيع الفصل بشكل واضح بينها وبين التنظيمات الإسلامية التكفيرية الراديكالية التي أنشأتها الأجهزة الاستخبارية العربية ودعمتها ببلايين الدولارات واستخدمتها في حربها ضد الأنظمة العربية التي لم تستسلم وتوقع على المشروع الغربي الصهيوني للمنطقة، التنظيمات التكفيرية هذه ضد الإسلام وتعمل على تشويه وشيطنة الإسلام نتيجة ممارساتها الاجرامية وغير الأخلاقية، من المعروف أن التنظيمات الإسلامية التكفيرية هذه وقفت ضد الاخوان المسلمين في مصر مثل حزب النور السلفي وفي اليمن وتونس وفي سوريا اليوم لم يسمح للإخوان المسلمين بالمشاركة في الحكم الإسلامي الجديد والمدعوم بقوة من الدول العربية المعنية رغم كونهم من أقوى فصائل المعارضة لنظام الأسد السابق، وربما في دول أخرى ليس لدي معلومات عنها، من المعروف ان جميع التنظيمات الإسلامية التكفيرية أنشأتها أجهزة المخابرات عن طريق شيوخ السلاطين الذين استطاعوا غسل دماغ شباب مسلمين بأفكار اسلامية مزيفة وأن 99% من أعضاء وقيادات من هذه التنظيمات لا يعرفون أنهم يخدمون أجندات غير وطنية وغير اسلامية هم يعتقدون أنهم يعملون لخدمة الإسلام.
2-مع أن فكر الاخوان المسلمين تطور في العقدين السابقين وربما قبل ذلك في طريقة اتخاذ القرارات الداخلية والخارجية وتفوقوا على التنظيمات الأخرى وربما كان هذا من سر نجاحهم وتفوقهم على التنظيمات الأخرى وذلك باعتمادهم على التصويت في اتخاذ القرارات، كما ان الاخوان المسلمين وافقوا على اعتماد النظام الديمقراطي في الحكم والتعددية السياسية إلا أنهم حسب اعتقادي لم يفهموا طبيعة الصراع في المنطقة العربية وان الشعوب العربية تحتاج الى حركة تحرر وطني تنهي الهيمنة الغربية الصهيونية على الشعوب العربية وتعمل على استقلال الدول العربية سياسيا واقتصاديا وتعمل على توحيدها ونهضتها.
3-لعدم وضوح الرؤيا لحركة الاخوان المسلمين برأيي نجد أنهم في اليمن قاتلوا لحساب القوى الغربية الاستعمارية وحلفائهم ورفضوا التحالف مع الحوتيين الذين طالبوا عدة مرات من حزب الإصلاح الاخواني التحالف معهم إلا انهم رفضوا ، قيادة الاخوان المسلمين في مصر بقيادة الرئيس المرحوم محمد مرسي وثقت بالدوائر العميقة في نظام محمد حسني مبارك ولم تستطيع التمييز بين العدو والصديق، الدوائر العميقة المرتبطة بمصالح خاصة كبيرة وبأجندات خارجية لم تتخلى عن الحكم والتي غدرت بالرئيس المنتخب محمد مرسي، كما ان الرئيس المرحوم مرسي تخلى عن شركائه في الانتفاضة الشعبية ولم يشاركهم في الحكم.
في تونس تحالفت حركة النهضة (فكر إخواني) مع النظام القديم في تشكيل الحكومة ولم تستطيع التخلص من الفساد وجذوره ولذلك لم تستطيع التقدم في تحسين أوضاع الشعب التونسي وبذلك لم يحدث تغيير جوهري في الحكم لصالح الشعب وهذا ما أدى الى رجوع النظام القديم بلون أخر، وهذا ما حدث في المغرب بعد استلام حزب العدالة المغربي الحكم الذي رضخ للمطالب الصهيونية ووقع على الاعتراف بالكيان الصهيوني في فلسطين وفتح علاقات سياسية واقتصادية معه ولم يعمل على محاربة الفساد وتحسين الوضع المعيشي للطبقات الفقيرة، هذا باختصار شديد.
كاتب سياسي فلسطيني