أحمد الدثني: لماذا يبدو الريال اليمني أقوى في صنعاء مقارنة بعدن؟

أحمد الدثني
في مشهد اقتصادي يزداد تعقيداً، يلاحظ اليمنيون تفاوتاً لافتاً في سعر صرف الريال اليمني بين صنعاء وعدن، حيث يُتداول الدولار في صنعاء بأقل من نصف قيمته في عدن. هذا الفارق الكبير في سعر الصرف لا يعكس بالضرورة قوة اقتصادية في مناطق الحوثيين، بل يرتبط بجملة من العوامل النقدية والسياسية واللوجستية التي تصب في مصلحة صنعاء على حساب عدن.
ـ أولاً: يعود أحد الأسباب الرئيسية لهذا التفاوت إلى الانقسام المالي بين البنك المركزي في عدن والبنك المركزي التابع للحوثيين في صنعاء. ففي حين قامت الحكومة المعترف بها دولياً بطباعة كميات كبيرة من الريال اليمني لتمويل الإنفاق، رفض الحوثيون تداول هذه الطبعات الجديدة، ما جعل الكتلة النقدية في صنعاء أكثر ندرة واستقراراً، وبالتالي أقل عرضة للتضخم.
ـ ثانياً: تفرض سلطات الحوثيين قيوداً مشددة على تداول الأموال والتحويلات، وتراقب سوق الصرافة بصرامة، ما يمنع المضاربات ويخلق نوعاً من الاستقرار المصطنع في سعر الصرف.
لكن الصورة لا تكتمل دون التطرق إلى ثلاثة عوامل إضافية تعزز من قوة الريال في صنعاء وتزيد في المقابل من التضخم والضغط على العملة في عدن:
تدفق الريال السعودي عبر تجارة القات: تصدّر مناطق الحوثيين آلاف الحزم من القات يومياً إلى مناطق الشرعية، وتُستعاد قيمتها بالريال السعودي. هذا يوفر للحوثيين تدفقاً مستمراً للعملة الصعبة دون الحاجة لتصدير تقليدي.
استيراد البضائع من صنعاء إلى عدن: كثير من التجار في مناطق الشرعية يشترون بضائع من مناطق الحوثيين ويدفعون قيمتها بالدولار أو الريال السعودي. وبهذا تُضخ العملات الصعبة في صنعاء مقابل سلع محلية.
البنك المركزي في عدن يمول كل اليمن: رغم الانقسام السياسي، لا يزال المجتمع الدولي يتعامل مع بنك عدن كمصدر رسمي للعملة الصعبة، ما يجبره على تمويل واردات السلع الأساسية لجميع مناطق اليمن، بما فيها تلك الخاضعة للحوثيين، وهو ما يستنزف احتياطاته من النقد الأجنبي.
خلاصة القول، أن الفارق في سعر الصرف بين صنعاء وعدن لا يعكس قوة اقتصادية بقدر ما هو نتيجة لتشوهات هيكلية ناجمة عن الحرب والانقسام النقدي. ويبدو أن الحوثيين استفادوا من هذه التشوهات عبر السيطرة على موارد داخلية وتدفق خارجي للعملات الصعبة دون تحمل تبعات الاستيراد أو الطباعة النقدية.
إذا لم تُعالج هذه الأسباب الجوهرية، فستظل العملة في عدن تحت الضغط، بينما تستمر صنعاء في الاستفادة من حالة اختلال اقتصادي قد تبدو للبعض كقوة وهمية.
اليمن