الدكتور بهيج سكاكيني: الولايات المتحدة واحتمال شن حربا على إيران

الدكتور بهيج سكاكيني
تعثرت المفاوضات الدائرة بين إيران والولايات المتحدة على الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني الذي انسحبت منه إدارة ترامب الأولى عام 2018 تحت تأثير الكيان واللوبي الصهيوني في واشنطن. ولم تعقد الجولة الرابعة من المحادثات والتي كان مقرر لها ان تتم يوم السبت الفائت وأعلنت عمان ان التأجيل يعود الى أسباب “لوجستية” والحقيقة هي نشوء خلافات بين الطرفين ما زالت تفاصيلها يلفها الغموض للان. وإذا ما عدنا الى الوراء قليلا فإن الطلبات الامريكية التي وضعت من قبل الإدارة كانت تتمحور في ثلاثة نقاط أساسية وهي ضرورة تفكيك البرنامج النووي الإيراني بحيث يقطع الطريق عن تملك إيران لاي سلاح نووي وكذلك برنامج الصواريخ الباليستية الى جانب النفوذ الإيراني في المنطقة وخاصة وقف دعمها لما أسمته “بأذرع” إيران في المنطقة من المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية وكذلك اليمن. ولكن إيران أصرت على ان تنحصر المفاوضات في نقطة واحدة فقط وهي برنامجها النووي وكذلك رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الامريكية من طرف واحد خارج إطار مجلس الامن الدولي.
ومع هذا التعثر بدأ البعض يتحدث عن إمكانية الذهاب الى الخيار العسكري بعد ان فشلت سياسة “العقوبات القصوى” والدبلوماسية كما تراها الولايات المتحدة. وقد كان ان هدد الرئيس ترامب في الرسالة التي بعثها الى القيادة الايرانية في شهر مارس والتي عبر فيها عن تفضيله الحل الدبلوماسي من خلال المفاوضات وفي حالة تعثر الوصول الى اتفاقية خلال شهرين فإنه سيتم اللجوء الى الخيار العسكري ” الموافقة على التخلي السلمي عن إنتاج الأسلحة النووية أو مواجهة حرب وشيكة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية”. بالتناغم مع هذا التصريح صرح وزير الخارجية الأمريكي قبل أيام بأن الولايات المتحدة ستقوم بالحرب على إيران وتدمير كل منشأتها النووية. وعلى الرغم من خطاب واشنطن، فإن الهجوم العسكري على إيران يشكل “مهمة” ضخمة للغاية حتى بالنسبة لواشنطن في هذه المرحلة بحيث لا تستطيع إنجازها دون دفع تكاليف باهظة ودون تقديم تنازلات سياسية كبرى.
ورغم أن الرئيس ترامب هدد بالعمل العسكري، فمن غير المرجح أن تهاجم واشنطن إيران في المدى المنظور وذلك لاسباب عديدة نتعرض هنا لبعضها:
1 الحرب الاقتصادية العالمية التي شنها ترامب من خلال فرض رسوم جمركية على كل الدول الصديقة والحليفة والعدوة مما أدى الى انهيار الأسواق والاسهم العالمية وحالة من الفوضى واصطفافا عالميا ضد ترامب. ومن غير المرجح ان تجد الولايات المتحدة ضمن هذه الأجواء الدولية الغاضبة من يقف معها حتى من أقرب حلفائها في الحرب إذا ما شنت على إيران.
2 غياب الدعم من العالم العربي وخاصة الخليجي الذي بدأت منذ فترة بنسج علاقات سياسية وتجارية وأمنية مع إيران على أثر المصالحة بين السعودية وإيران تحت الرعاية الصينية. هذا الى جانب تعرض بلادها ومنشآتها النفطية الى دمار شامل. وهذا ما حدا بكل من السعودية والامارات وقطر توصيل رسالة الى البيت الأبيض انها لن تسمح باستخدام أجوائها أو القواعد الامريكية العسكرية المتواجدة على أراضيها لشن الهجمات على إيران.
3 التكاليف الباهظة لمثل هذه الحرب على الولايات المتحدة المادية والبشرية في ظل الازمة الاقتصادية التي تعانيها الولايات المتحدة وحجم الدين الفيدرالي الذي يقدر 36 ترليون دولار وعدم رغبة ترامب بدفع المزيد من المليارات على الحروب. وهنالك غضب شعبي واسع في الولايات المتحدة من ارتفاع التضخم والاسعار بشكل جنوني بعد أن أعلن ترامب الرسوم الجمركية الباهظة على المواد المستوردة من الدول الأوروبية والصين على وجه الخصوص. وقد يؤدي شن الحرب الى تفجير الوضع الداخلي.
4 في ظل التحديات الاقتصادية وغياب النجاحات الواضحة للإدارة الامريكية للان، يحتاج الرئيس ترامب بشدة إلى انتصار في السياسة الخارجية يُمكن اعتباره إنجازًا كبيرًا ولو مؤقتا لما يُسمى “نهجه الجديد”. إن شنّ حرب شاملة مع إيران أمرٌ محفوف بالمخاطر، وهو سيناريو قد يُنذر بكارثة على المنطقة والولايات المتحدة نفسها وتكثيف المعارضة الداخلية ضد ترامب أيضًا، الذي كان وعد حملته الانتخابية هو “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، وليس أكثر فقرًا وصراعًا على المستويين الدولي والمحلي.
في النهاية لا بد من الإشارة انه وبالرغم من النقاط التي عرضت هنا فإن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة تزيد من التوترات في المناطق المحيطة بإيران. فهنالك معلومات تشير الى ان الولايات المتحدة تنقل معدات عسكرية وأفرادا عسكريين من المانيا الى الحدود الشمالية لإيران وعلى وجه التحديد الى أرمينيا. هذا وفي الوقت نفسه فإن الكيان الصهيوني يواصل إمداد أذربيجان جارة إيران بالأسلحة من قاعدتها في عوفدا حيث تستطيع نشر طائرات مقاتلة وطائرات مسيرة على طول نهر أراس وهو نهر يسير على الحدود بين أرمينيا وجزء من أذربيجان (بعد سيطرتها على إقليم كارا باخ) وإيران بالإضافة الى انه كان مقررا لنتنياهو ان يقوم بزيارة الى أذربيجان قبل أيام ولكن الزيارة الغيت بعد ان رفضت تركيا استخدام أجوائها لهذه الرحلة. ومن المفيد ان نذكر ان الكيان الصهيوني وقف الى جانب أذربيجان في حربها ضد أرمينيا في منطقة كارا باخ المتنازع عليها وأدت الى سيطرة قوات أذربيجان عليها (اعتقد ان النظر الى الخارطة السياسية مفيد هنا). والسؤال هنا لماذا تسعى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لمحاصرة إيران في هذا الوقت على التحديد؟ هل محاصرة إيران بهدف السعي الى الضغط العسكري عليها لتقديم تنازلات في المفاوضات؟ أم هل هنالك نية للاعتداء على إيران من عدة جبهات إذا ما قرر ترامب في لحظة ما للحرب او إذا ما تمكن نتنياهو المتعطش للحرب على إيران من أوائل تسعينات القرن الماضي بجر الولايات المتحدة لهذه الحرب؟ سؤال يبقى مطروحا دون إجابة للان حيث ترجح كفة عدم شن حربا على إيران في المدى المنظور على الأقل.
كاتب وأكاديمي فلسطيني