حمدي جوارا: حل الأحزاب السياسية في مالي.. هل الحلّ هو الحلّ؟

حمدي جوارا
منذ ٥ سنوات جاء المجلس العسكري إلى مالي نتيجة ثورة شعبية عارمة شارك فيها كثيرون وذلك بسبب فشل الرئيس حينها ابراهيم بوبكر كيتا في إدارة الملفات الساخنة بالبلد، وخاصة تلك المتعلقة بالأمن الاستقرار و بسبب دخوله في تحالفات مع قوى دولية وأممية لم يفهم فيها أحد منها شيئا ..
فانتفض الناس بعد 7 سنوات من حكمه لتغيير هذا الواقع المر مروا به ..
ثم كانت هناك ألاعيب سياسية تمت خلالها بعد الثورة بين العسكر والسياسيين، انتهى الامر بانقلاب جديد أو بتصحيح لمسار الحراك وهو ما أدى إلى وصول هاشمي غويتا إلى سدة الحكم ..
ورغم تحفظ الكثير على كيفية إدارة الملفات من المجلس الانتقالي العسكري إلا أن غالبية الشعب تماحوا في اللعبة السياسية معهم نتيجة المبادرات الشجاعة التي قاموا بسبب طرد القوات الفرنسية والاوروبية والامريكية وكذلك فسخ عقود كثيرة استثمارية وعسكرية من شركات غربية لم تكن في صالح الشعب ..
ومع كل ذلك كان هناك جناح سياسي في العسكر يعمل – ولا زال يعمل- من أجل تثبيت دعائم المجلس في الحكم وذلك عبر تشكيل برلمان معظم من فيه من مقربيهم .. إلى جانب الألاعيب الداخلية التي قاموا بها والتي قمنا بنقدها حينها …
ولا شك أن الانجازات أيضا كثيرة ومعتبرة وخاصة من الناحية الأمنية وتسليح الجيش ونجاحهم في السياسة الخارجية وما انتهوا اليه من تأسيس كيان سياسي وأمني اقليمي وهو تحالف الساحل أصبح له صداه في المنطقة مع بوركينافاسو والنيجر .. وكذلك تصدّيهم لبعض الملفات المتعلقة بدولة جارة مثل الجزائر وما قاموا به من إفهامها أن مالي دولة مستقلة لا يمكن للجزائر وأمها فرنسا أن تكون لها كلمتها في الشأن الداخلي المالي وخاصة بعد إسقاط الطائرة المسيرة الأخيرة ..
وتزامن كل هذا المشهد بتنظيم حوار وطني نظمته وزارة الداخلية حول مستقبل الأحزاب السياسية والتي ساهم العسكر في انشاء العشرات منها وفي جو مكفهر سياسيا وداخليا وصراع مع الخارج ..
وهذه الحوارات الوطنية التي يتم تنظيمها من قبل الحكومة، معظمها حوارات تتجه اتجاها واحدا نحو تثبيت القيادة العسكرية،
ثم يُخرجون بيانات رسمية مفادها أن الشعب المالي هو من قرر مضامين تلكم البيانات فتصبح قوانين وقرارات سارية المفعول..
بينما – في الأصل – لم يكن الأمر كذلك وقد تكون هذه البيانات معدة سلفا .. مثلما تم مؤخرل حول حل الأحزاب السياسية برغم أن هذه الاحزاب تم التقرب لها من قبل رئيس الوزراء الحالي عبد الله مايغا وهو وزير الداخلية ، حين أرادوا الاطاحة برئيس الوزراء المدني من قبل وهو الدكتور شوغيل كوكالا مايغا مع تقليص صلاحياته كرئيس وزراء مما أدى في النهاية إلى انتقاده ومن ثم خرج على إثرها من رئاسة الحكومة وكان حجر عثرة بالنسبة لهم ..
. ولكن هذه الأحزاب السياسية هي من ساعدت المجلس العسكري في ذلك ليطعنهم فيما بعد ويحلّ أحزابهم بالفعل
ومن الأمور العجيبة التي قرروا هذه المرة هو منع شريحة اجتماعية قوية لها صيتها ودورها وهم رجال الدين وقادة وشيوخ المدن والقرى برغم أنهم لم يطلبوا شيئا في الأصل حتى يتم إقرار منعهم من الترشح للانتخابات ، هذا وبرغم كونهم مواطنين مثلهم مثل غيرهم ..يتوافق المجلس العسكري مع ذلك مع كل الاحزاب السياسية التي تم حلها في ذلك ..
ثم تنادت الأحزاب هذه السبت الماضي حيث أرادوا القيام بمهرجان سياسي رفضا لحل أحزابهم..
ونقطة أخرى لا بد من التلويح بها هنا، أن كثيرا من الشعب المالي وليس فقط أنصار النظام أصبح لديهم قناعة من أن الأحزاب السياسية هي هي التي أوقعت الدولة في هذا التردي الأمني والانفصالي وقامت باتفاقات لم تحسم قضية التمرد في شمال مالي والوسط.
فهذه الاحزاب السياسية هي التي أدارت مالي منذ ما يقرب من ٣٠ عاما ، ونتيجة لذلك كله…
فهم ضد أي وجود سياسي للأحزاب هذه والتي أصبحت صيحاتها وهتافاتهم تقض مسامع انصار النظام..
و هم يرون حلها بلا هواجة وإن كانوا يعاتبون الرئيس غويتا في تأخره في قرار الحل وعدم اقتفائه أثر بوركينافاسو والنيجر ممن أنهوا أنشطة الاحزاب السياسية وأن هامش الحرية الذي يتركه لهم في مالي هو السبب وراء كل هذا الضجيج …
ويذهب آخرون أن هذا الحل له ما يبرره وخاصة أن دولتي النيجر وبوركينافاسو حلت أحزابها ، فالنيجر حلت منذ شهرين وبوركينافاسو علقتها منذ مجيء الكابتن للحكم .. بينما أبقت مالي أحزابها ونشاطها .. وهو ما لا يتناغم مع مسار تحالف الساحل الجديد ، فكان لا بد أن تحل أحزابها بحكم هذا المنطق وهذا الرأي يؤيده كثيرون أيضا ..
فهذا هو المشهد بكل اختصار حتى يفهمه الجميع …
فأنصار النظام يرون أن ” الحلّ هو الحل” ، وإنهاء هذه الأحزاب التي أودت بالبلد الى اللامجهول السياسي ..
فهذا الفريق يرى الحل ومن ثم تمديد فترة الرئيس هاشمي غويتا ٥ سنوات أخريات حتى يتناغم مع كل من رؤساء النيجر وبوركينا فاسو ..
بينما يرى أنصار الأحزاب السياسية أن حلها ليس هو الحل ، وان العمل السياسي الديمقراطي والانتخابات ركيزة أساسية في المشهد السياسي ب مالي وينص عليها الدستور بما في ذلك الدستور الذي أقرّه المجلس بعد استفتاء سابق…
وأن الديمقراطية مغنم لا يمكن التخلي عنه من قبل الشعب ويرى هؤلاء أن مالي ليست بوركينا فاسو ولا النيجر.. في إشارة لهم من أنهم ليسوا مع ما يسمى بتحالف الساحل..
ونحن نرى أن مجرد طرح الحوار عن مستقبل الأحزاب لم يكن موفّقا من النظام، وفي وقت تواجه فيه الدولة تحديات داخلية وخارجية وكان يمكن تأجيله ، وترك فكرة حل هذه الأحزاب.
وكان ينبغي فقط إلغاء تمويل الأحزاب السياسية من خزينة الدولة والتي يسيل من أجلها لعاب السياسيين في غالبيتهم اليوم ومنع أي تمويل خارجي أيضا وفي نفس الوقت ،
فإذا ما تم ذلك سيختفي معظم هذه الأحزاب.
وأما قرار إقصاء طائفة من الشعب بدعوى أنه رجال دين أو منفذين تقليديين في المجتمع فذلك تعدٍّ سافر غير مقبول من منظمي هذا الحوار وإن كانت فكرة تعجب الكثير من أنصار العلمانية في مالي
فلا حل مع الحل.. أقصد لا حلّ مع حلّ الاحزاب السياسية.. ولكن وفي الوقت نفسه لا أحزاب بلا مشاركة الجميع بدون إقصاء أو تقييد ..
كاتب مالي