خبير بريطاني: خرائط العالم المتداولة رسخت مفاهيم مضللة عن الدول

أنقرة / الأناضول
قال الأكاديمي البريطاني بجامعة برمنغهام دونالد هيوستن، إن الخرائط العالمية التي رُسمت عبر التاريخ باستخدام إسقاطات مختلفة مثل “مركاتور” و”بيترز”، رسخت مفاهيم مضللة عن أهمية الدول والقارات.
وأضاف في حديث للأناضول أن الخريطة العالمية الأكثر شيوعاً في المدارس والصحف والبث التلفزيوني، والتي تركز على أوروبا، تستند إلى “إسقاط مركاتور” الذي طوره رسام الخرائط غيراردوس مركاتور في القرن السادس عشر لتسهيل الملاحة البحرية.
وتُظهر هذه الخريطة المعروفة والأكثر شيوعاً، الأراضي الواقعة عند خط الاستواء والمناطق الاستوائية أصغر مما هي في الواقع، وذلك لأنها تركز على الحفاظ على شكل القارات.
في المقابل، تُظهر الخريطة دولاً مثل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا بمساحات أكبر مما هي عليه فعلاً، ما يثير جدلا سياسيا مستمرا، نظرا لأن استخدامها لا يزال شائعاً رغم تطوير تقنيات إسقاط بديلة.
وعلى سبيل المثال، تظهر جزيرة غرينلاند قرب القطب الشمالي في خريطة “إسقاط ميركاتور” وكأنها أكبر من قارة إفريقيا، رغم أن إفريقيا أكبر منها بنحو 14 مرة، وهو ما يغذي فكرة أن الدول الواقعة بمركز الخريطة أكثر أهمية، ويُعد ذلك من القضايا المثيرة للجدل.
وفي تقييمه للإيحاءات التي تسببها خريطة “إسقاط ميركاتور”، يقول هوستون إن هذه الخريطة التي رُسمت لأغراض الملاحة تركز على شكل الدول أكثر من مساحتها، وأنها تجعل غرينلاند تبدو أوسع طولاً وعرضاً، بهدف الحفاظ على شكلها الحقيقي نظراً لقربها من القطب الشمالي.
هوستون الذي يعمل أستاذا بقسم التنمية الاقتصادية الإقليمية بجامعة برمنغهام، أوضح أن السبب وراء استمرار استخدام خريطة “ميركاتور” منذ فترة طويلة هو أن الناس اعتادوا عليها.
وأوضح: “لهذا السبب فإن خريطة العالم التي نراها على جدران معظم المدارس وفي الصحف والبث التلفزيوني مضللة بشكل كامل”.
وأردف قائلا: “لهذا السبب هي قضية مثيرة للجدل سياسيًا، لأنها تُظهر الدول الفقيرة في الجنوب والمناطق الاستوائية أصغر عمومًا من الدول الغنية في الشمال”.
وأشار إلى أن هناك خرائط بديلة مثل “إسقاط بيترز” الذي يُركّز على النسبة الحقيقية لمساحة الدول بدلاً من شكلها، عكس “ميركاتور”.
ورغم أن “إسقاط بيترز” معتمد من الأمم المتحدة إلا أنه يُغيّر من شكل الدول المعتاد، ما يجعل البعض يظن أنه “خاطئ”، وفقا للأكاديمي البريطاني.
وحول تأثير “ميركاتور” على التصورات السياسية، قال إن “هناك نقاشات بشأن وجود أوروبا وسط الخريطة يعطي انطباعًا بأنها أكثر أهمية مما هي عليه، لكن كما قلت، الخرائط البديلة يمكن أن تضع أجزاء أخرى من العالم في المركز”.
** الخرائط البديلة تنقل مناطق مختلفة للمركز
الأكاديمي البريطاني أوضح أنه لا يوجد سبب علمي لوجود القطب الشمالي في الجزء العلوي من الخريطة أو للقارة الأمريكية في جهة الغرب، وأنه يمكن رسم الخرائط بحيث تغير أماكن الدول.
وبناءً على ذلك، يمكن رسم خريطة تكون فيها المناطق الجنوبية في الأعلى، ما يؤدي لوضع الدول المتقدمة في الأسفل، والقارة الإفريقية في الجزء العلوي أو المركزي من الخريطة، وفق المتحدث.
وعلى سبيل المثال، في الخريطة التي رسمها الجغرافي محمد الإدريسي عام 1154، والتي تُظهر رسم الجنوب في الأعلى، تبدو شبه الجزيرة العربية في المركز وتمتد نحو الأعلى، ما يفسر الأهمية التي منحها الإدريسي للجزيرة العربية.
من جهة أخرى، أول خريطة صينية بأسلوب أوروبي تُعرف باسم “كونيو وانغوو كوانتو”، وقد رسمها المبشر الإيطالي ماتيو ريتشي عام 1602.
وقد ظهرت الصين فيها في مركز العالم، وتم إظهار المناطق المتنازع عليها كجزء من الأراضي الصينية، بحجة أنها تعكس “واقع الصين وتطلعاتها”.
وفي زمن نشوء الحضارات حيث تم اكتشاف الورق والبوصلة والبارود، وُضعت الصين وأوروبا وإفريقيا على الجهة اليسرى من الخريطة، بينما ظهرت قارة أمريكا التي عادة ما تُرسم في الغرب، في الجهة اليمنى.
** لا خريطة تُظهر العالم الحقيقي إلا الخريطة الكروية
هيوستن أوضح أنه لا يوجد مبرر علمي لرسم الخرائط بشكلها التقليدي، مبينا أن خرائط “إسقاط ميركاتور” قد تكون رُسمت بناءً على رؤى استعمارية أو إمبريالية بشكل مقصود أو غير مقصود.
وأشار إلى أن هذا الخطأ في الخرائط يجري تجاهله كثيرا في دروس الجغرافيا، وأضاف: “من المهم أن نوضح أن الخريطة لا تُظهر حجم الدول بشكل صحيح، بل تُظهر شكلها فقط”.
ونوّه إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في رسم الخرائط على ورق مسطّح رغم أن شكل الأرض كروي، وأضاف: “باستثناء الخريطة الكروية، لا توجد خريطة تعكس الشكل الحقيقي للأرض”.
** طموح ترامب في غرينلاند
هيوستن تطرق أيضا إلى رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاستيلاء على جزيرة غرينلاند، مبينا أن “معظم مساحة جزيرة غرينلاند مغطاة بالجليد، ومهما كان حجمها فهذا ليس بالأمر المهم”.
وفيما يخص إن كان ترامب قد تأثر بالخرائط أم لا، أفاد هيوستن: “لا أعلم ما الذي كان يدور في ذهن ترامب بشأن هذا، لكن آمل ألّا يُصدم حين يدرك أن غرينلاند أصغر مما تبدو عليه على الخريطة”.
وأضاف: “لكن إذا أردنا أن نكون جادين، فأعتقد أن تصريحات ترامب بشأن غرينلاند كانت تتعلق بالأساس بالثروات المعدنية والسيطرة والتأثير الجيوسياسي”.