الدكتور سمير محمد ايوب: أيها المسافر وحدك…

الدكتور سمير محمد ايوب: أيها المسافر وحدك…

الدكتور سمير محمد ايوب

خير بسملة، اقترب عبرها الليلة منك يا ولدي، سؤالك عن عدد المرات، التي حرِصَ فيها والداك، على جعل الارض ذليلة تحت قدميك، وإبقاءِ السماء ظليلة فوقك؟
أسألك لأتمنى عليك، أن تبقى لهما خير خلف لخير سلف. فأنت أول ثمار قلبيهما، أنت وشقيقتاك، قرة عينيهما، وعماد ظهريهما. بكُم يصولان ويجولان عند كل جليلة من الامور.  إن غضبا إرضوهما، وإن طلبا اعطوهما بود واحترام.
لله دركم، حين تنصاعون لطلب رب العزة وهو يوصي بالوالدين احسانا، فوالله ما جزاء الاحسان الا  احسانا.

أيا حمزه، ايها الأيوبي النبيل،
ولَدُك هو عصاتك التي تتكئ عليها، عندما ينحني ظهرك. وابنتك هي عيناك عندما يشتد ظلام الليل.
إن دخلت خزائن القرآن، اجتهد ان لا تخرج منها، قبل ان تعرف أن الأبناء ليسوا سواء في شيء. فقد طلب ابراهيم ابنه للذبح فامتثل، وطلب نوح ابنه للحياة      فأبى. وليسوا بكثرة العدد، فلربما واحد منهم، يُغنيك عن عناقيد. فانما هم بمن يأتيك دون ان تناديه، ومن يربت على كتفك دون ان تخبره أنك مثقل. البعض منهم بار بوالديه حد الذهول، والبعض منهم عاق حد العجب.

ومن ثم انتقل للقول:
أولا: وانت تواجه صعوبات الحياة ومتغيراتها، إرتقي بروحك يا ولدي، من خلال إلهاماتٍ صادقة. فكل منا مَهْما نضج، بحاجة لكلمة طيبة، تُذكِّره وتُلهمه. فالتواصي بالخير، ضوءُ وزادٌ كل المسافرين، في دروب هذه الدنيا. فاحرص على أن تكون نابعة ممن يحبك ويحترمك، وأن تكون بنّاءة تُقوِّم ولا تحطِّم. تُهذِّّب ولا تجرح.  وهنا احذرك من نصيحة الأحمق، لانه سيكرهك، عكس الحكيم الذي سيقدرك.

ثانيا: العبور إلى الحياة وفيها:
بدلا من التطفل على حواف الحياة أو قيعانها، كن من صُنّاعِها. لتتقن مهارات الصنع، إعلم ان الثقافة هي البوابة الأوسع للعبور، لكل نافع وجميل في الحياة.
واعلم أن أول عتبات الثقافة، هي عدم الاكتفاء بما لديك منها. لا تتوقف ابدا، واصل تطورك بلا هواده.  امتلك دائما الطموح لتحسين نفسك، فالرضا عنها     خَطِر. اجعل كل يوم فرصة لتجاوز الذي انت عليه،  اعمل بجد لتتعلم باستمرار، فالحياة رحلة تعلُّميَّة لا تنتهي.
لا تَتَعمَّقُ القوةُ الحقيقيةُ وتترسخ وتُثمر، إلا بالانضباط المعرفي غير الزائف. إذا كنت تطمح في أن تكون شخصًا واعيًا، إقرأ. ولكن، حذار من القراءات السطحية. بل ابحث عن المعرفة التي تنمّي عقلك وروحك، وتفتح أمامك آفاقًا جديدة. وتعلّم التمييز بين المعلومات، واختبارها بعقلك الداخلي الناقد.
إقرأ وانت تدرك، ان القراءة لا تعني بالضرورة، اكتساب الحكمة او الفهم العميق، إذا قرأ الشخص الغبي الكثير من الكتب السطحية، فإن النتيجة كارثية أكثر مما نتصور. فهو لا يصبح غبيًا فقط، بل غبيًا واثقًا من نفسه، وهو أسوأ أنواع الغباء. في هذه الحالة، يتحول هذا الشخص في سياق المجتمع إلى فرد مُزعج، يحمل أفكارًا مشوهة، وهو يعتقد أن معرفته قد اكتملت.

ثالثا: جهوزيتك
تبدأ من صحتك ومظهرك. كي لا تشيخ، إحلم وانت تتواطئ بسلام مع الزمن. وكي لا تكبر يجب ان تبقى في حالة صحية جيدة. فجسدك القوي هو معبدك. لا أعذار ولا طرق مختصرة، في الحفاظ على لياقته. فقط بالانضباط والتفاني، فالذي خلق طرقا صعبة وعرة، خلق فيك القدرة على اجتيازها.
 اللباس المناسب بغض النظر عن المناسبة، هو الدرع الذي تلبسه. مظهرك هو بيانك الأول واسلوبك. المظهرالانيق يفرض الاحترام ويميزك، اجعله مهمًا. كن دائما افضل رجل يرتدي الملابس البسيطة النظيفة والانيقة في الغرفة.

رابعا: المصافحة
المصافحة البسيطة، هي اول علامات الطيبة والقوة، كن عند كل لقاء مبتسما. صافح بثقة واحترام، لان المصافحة الضعيفة لا تليق بالرجال، تأكد ان يدك هي اول من يعلن انك هناك.
لتعرِفَ المَجالس، وتتعرف على من فيها وما يقال، إنصت أولا لما يقولون. مهما علا مقامك او شأنك. فان حسن الانصات كحسن الحديث، من مقتضيات الأدب. استمع جيدا لكل القائلين.
ولكن ومن باب الاحتياط، لا تصدق الكثير مما يقولون، اومما قد تسمع.
كن مختلفا وأنت تتحدث امام الناس. لتلامس القلوب قبل العقول، خاطب الوجدان قبل العيون، إبتسم رغم ما قد يكون في القلب. كن فنانا وانت ترسم مشاهد ما تقوله بالكلم. لتعانق ارواح من هم أمامك، ارسم ما تقول باتقان وتواضع. واقرا الآخرين بحب، وابدع في الفهم. دون أن تنسى بان المتحدث العاقل، هو الذي يتريث وأن العالم هو الذي يشك، بينما الجاهل هو الذي يؤكد.
الأوادم في كل حوار كُثْرٌ، والهََمج فيه باقون. لذا لا تناقش من يريد ان يظهرك مخطئا، اترك مسافة بينك وبينهم، سميها مسافة الأمن والأمان وعدم التورط.
وقد ترى في الواقع، بعض من فقدوا القدرة او الرغبة على التمييز بين الحق والباطل.  وهنا إعلم يا ولدي ان الحق والباطل، هما وعي مجتمعي، ونضج فكري متقاوت بين الناس، في النوع وفي الكم.

خامسا: لكرامة الرجل الذي فيك:
إعلم أن الرجل الحقيقي لا يطارد امرأة، بل ينجذب. وان انْجَذَبْتَ،لا تقدِّم نفسك مجرد ذكر فحل، وبالتالي لا تلومن من يتعامل معك وفق ذكوريتك فقط.
فهذا النوع من الذكور لا يختلف عن قطيع الفحول في القبيلة، ما أن يظفر بما يريد حتى يتخلى، ويعود للملل واحتقار المرأة. اصعب تعلق هو التعلق بروح شخص معين. انه تعلق ملازم للحياة، فلا هو في الشكل المتغير، ولا هو بالتعود المُمل مع الوقت.
عندما تحب روح انسان، ليس من السهل ان تراها في شخص اخر، لأن الروح ليس لها بديل ولا شبيه. حذار من الاقتراب إلا حين تطمئن، لا حين تحب.    فالامان اعلى منزلة من الحب. وإلا ستمضي بك الحياة متنقلا بحيرة، بين عيب يا حبيبي، انت بعمر ابني، وعيب يا حاج انا بعمر ابنتك.
كن انت ولا تُقحم انفك في حياة الاخرين. فعلى سبيل التمثيل لا الحصر، لا تَسَل إمراة عن عمرها، ولا تكن خطة احتياطية لأحداهن، ولا تَعُدْ أبدًا لامرأة خدعتك، فمن اساءت لك مرة، ستسيء لك مرات، وهنا تذكر يا ولدي انه لا داعي لشرب البحر كاملا، لتتأكد من انه مالح.
إحترم نفسك بما يكفي، وتصرف على انك المكافأة، فأنت ذو قيمة. ولأنك سيد حياتك، لا تدع احدا يهينك. كن حازما ولا تتسامح مع اي شيء يقلل من ذلك. إن سمحت ولو مرة، تفقد قوتك فورا. إذا لم ترَ قيمتك لا تدع الاحباط يتسلل الى قلبك ، لا تتنازل عن كرامتك أبدا، من أجل أي كان أو أي شيء. إبتعد ورأسك مرفوعا، وغادر دون ان تملأ الخيبة صدرك. ودون  ان تنظر إلى الوراء أبدًا.
اعلم ان من اشجع القرارات التي قد تتخذها في حياتك، هي ان تتخلى نهائيا عن كل ما يؤذي روحك وقلبك. فالحياة اقصر من ان تستهلك في علاقات باردة. كيف ستشفى وانت كلما خدشتك الحياة بكيت على طعنة قديمة ؟! نعم للماضي حنين دائم، ولكن ليس له رجوع، مهما بلغت روعته او مرارته.
لتحتفظ بمكانتك، كن انت من يملي الشروط بتواضع، فلا تدع احدا يتغلب عليك، إذا سمحت لشخص ما أن يأخذ زمام المبادرة في حياتك، فقد خسرت بالفعل.
واختم سائلا رب العزة، ان تكونوا، انت وجولي وجود ووالديك، كل يوم الى احلامكم وافراحكم وعافيتكم اقرب يا رب.