مدارس “النصيرات” بغزة.. تلاميذ ينعشون فصولا دمرتها إسرائيل

غزة/جمعة يونس/الأناضول
وسط ركام الحرب وفي ظل غياب المقاعد، يجلس مجموعة من الطلاب بمدرسة الرازي التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة على قطع بالية من القماش، محاولين انتزاع حقهم في التعليم من قلب الدمار.
دفاترهم على الأرجل، وجدران الصفوف متهالكة بفعل القصف، لكنهم يصرّون على الحضور والتعلم، في مشهد يلخص معاناة آلاف الأطفال في قطاع غزة، الذين يواصلون الدراسة رغم المجاعة، والدمار، والخطر المحدق.
هذه المشاهد تكررت في مراكز تعليمية عدة تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في مناطق غرب خان يونس والمنطقة الوسطى، بعد أن توقفت معظم أنشطة التعليم بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة منذ 19 شهراً وأوامر الإخلاء.
وفي 15 مارس/آذار 2025، قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، إنها افتتحت 130 مقرا تعليميا مؤقتا في غزة، ما أتاح التعلم المباشر لنحو 47 ألف طفل بأنحاء القطاع.
في أحد الصفوف شبه المدمّرة، يجلس الطفل يزن الغصين، طالب بالصف التاسع واضعًا دفتره على ركبتيه، يقول للأناضول: “نتعلم رغم ظروف الحرب والقصف وقلة الأدوات.. نوجّه رسالة للعالم: أوقفوا الحرب وأدخلوا المساعدات والمستلزمات التعليمية”.
ومدرسة الرازي إحدى المدارس التابعة للأونروا والتي تعرضت لاستهداف إسرائيلي في 16 يوليو/تموز 2024، واستشهد فيها نحو 23 فلسطينيا وأصيب 73 آخرين من الفلسطينيين الذين نزحوا إليها.
الحق بالتعليم
رغم الابتسامة الخجولة على وجه يزن، إلا أن نظراته تحمل قلقًا يتجاوز عمره.. يسأل متى ستنتهي الحرب، ومتى يعود إلى مقعده الخشبي الذي حُطم في الحرب.
ليس وحده من يتحدى الظروف، فإلى جانبه أدهم الخطيب يؤكد أنه وزملاءه يصرّون على ممارسة حقهم في التعليم.
ويضيف “نواصل حقنا في التعليم جلوساً على الأرض رغم الحرب والحصار، ونتمنى انتهاء الحرب لنعود إلى منازلنا ومدارسنا ونتعلم مثل أطفال العالم”.
ومع انطلاق العام الدراسي الجديد في قطاع غزة، خلت العديد من الغرف الصفية من المقاعد والطاولات، ما اضطر الطواقم التعليمية لتوجيه الطلبة للجلوس على الأرض، بعد فرش سجاجيد صلاة مهترئة أو قطع من النايلون.
هذا الوضع تسبب، وفق شكاوى أولياء الأمور، في تشتيت انتباه الطلاب وإصابتهم بآلام في الظهر، نتيجة غياب الحد الأدنى من مقومات الراحة داخل الصفوف.
ويأتي ذلك بالتزامن مع أزمة حادة في توفر القرطاسية، وعلى رأسها الكتب المدرسية، التي كانت توزع مجانًا على الطلبة في بداية كل عام دراسي قبل اندلاع حرب الإبادة المستمرة.
واستهدف الجيش الإسرائيلي بصورة مباشرة أكثر من 400 مدرسة في قطاع غزة، منذ بدئه حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق تقرير لوكالة “أونروا” في 14 أبريل/نيسان.
وأشارت إلى أن 88 بالمئة من مدارس القطاع تحتاج إلى ترميم أو إعادة تأهيل كاملة، وأن أكثر من 70 بالمئة من المدارس معظمها مدارس لجأ إليها النازحون الفلسطينيون تعرضت لاستهداف مباشر من الجيش الإسرائيلي.
ويشارك الطالب أسامة الهباش زملاءه الرأي، قائلا: “نأتي إلى المدرسة رغم الدمار والخطر.. مدارسنا مستهدفة، لكننا نتمسك بحقنا في التعلم”.
ويضيف: “قادمين نتعلم رغم الاستهدافات.. نتمنى أن تنتهي الحرب ونعود إلى الطاولات والكراسي كباقي أطفال العالم”.
ووفق إحصائية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي، فإن الجيش الإسرائيلي قصف على مدار أكثر من 15 شهرا من بداية الإبادة ألف و166 منشأة تعليمية، منها 927 مدرسة وجامعة وروضة أطفال ومركز تعليمي دُمرت بالكامل، إضافة إلى مقتل 12 ألفا و800 طالب و800 معلم وإداري.
وقدر المكتب الاعلامي الحكومي بغزة، قيمة الأضرار والخسائر في قطاع التعليم بفعل الحرب الإسرائيلية، بأكثر من 2 مليار دولار.
وفي 22 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت وزارة التعليم في غزة، أن 95 بالمئة من المباني المدرسية والتعليمية تعرضت لأضرار مختلفة فيما خرجت 85 بالمئة منها عن الخدمة نتيجة تدميرها بشكل كلي أو جزئي خلال أشهر الإبادة.
ومنذ بدء إسرائيل حرب الإبادة على غزة في 7 أكتوبر 2023، يواجه أطفال القطاع أوضاعا كارثية، حيث أفادت تقارير حكومية فلسطينية بأن الأطفال والنساء يشكلون ما يزيد على 60 بالمئة من إجمالي ضحايا الإبادة الجماعية المتواصلة.
ويشكل الأطفال دون سن 18 عاما 43 بالمئة من إجمالي عدد سكان دولة فلسطين الذي بلغ نحو 5.5 ملايين نسمة مع نهاية عام 2024، توزعوا بواقع 3.4 ملايين في الضفة الغربية و2.1 مليون بقطاع غزة، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وفي 18 مارس/ آذار الماضي، تنصلت إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الساري منذ 19 يناير/ كانون الثاني الفائت، واستأنفت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 170 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.