معادلتان امام الجولاني: الاولى تركيا والثانية “اسرائيل” فأيهما تختار؟

الدكتور حسن مرهج
تُشير المعطيات والوقائع التي تؤطر الحدث السوري بأن مسار التطورات في سورية يسير بإتجاه أسلمة سورية إن صح التعبير، فضلاً عن ذلك فإن أبو محمد الجولاني سيبقى في نظر الغرب زعيماً لتنظيم إرهابي، وبصرف النظر عن الوفود الأوروبية التي زارت دمشق، إلا أن الجولاني وماضييه الموغل في الدماء، لن يتمكن من تجاوز هذا الأمر، وبذات التوقيت لن يتم الإعتراف به رئيساً لدولة لطالما كانت مدنية علمانية تحترم الأقليات وتصون حقوقهم وتحافظ على كرامات الناس، في وقت باتت دمشق أشبه بإمارة إسلامية تُلاحق “السافرات”، وتمنع السوريين من إرتياد المطاعم والمقاهي وتمنع الإختلاط، والكثير من الممارسات التي يصعب على الجولاني تخطيها، أو منع أدواته من القيام بتلك الممارسات، وهذا الأمر يؤكد بأن الجولاني لن يبقى.
بصرف النظر عن ما سبق، إلا أن الجولاني اليوم بين معادلتين إحدها تركية والثانية إسرائيلية. المعادلة التركية تقوم على رعاية الفصائل التابعة لجبهة النصرة، حيث يتم تحريك هذه الفصائل في مناطق جغرافية محددة وذات طابع طائفي، وما حدث في الساحل السوري من جرائم ومجازر بحق الطائفة العلوية الكريمة، وصولاً إلى ريف دمشق في صحنايا وجرمانا وحتى السويداء، يؤكد بأن العثماني ومعه الجولاني يعملون على إبادة الأقليات في سورية، فضلاً عن عمليات خطف ممنهجة تقوم بها تلك العصابات وعمليات قتل متنقل وممنهج، حيث تقوم تلك العصابات بنقل المخطوفين إلى الداخل التركي ومن ثم المتاجرة بأعضاءهم، وكل هذا يجري بإشراف مباشر من أردوغان بحسب تقارير كثيرة أوردتها الصحف الأوروبية.
المعادلة الثانية هي إسرائيلية. إسرائيل لديها مخاوف جمة من سيطرة الإسلاميين المتشددين على الحكم في سورية، وثمة معطيات تؤكد وتُشير صراحة إلى أن إسرائيل لن تبقى مكتوفة الأيدي حيال ما يجري في سورية وتحديداً في جزئيتي إستهداف الأقليات، وبقاء الإسلاميين المتشددين وتحديداً العناصر الأجنبية منهم على مقربة من إسرائيل. في المقابل فقد وصلت رسالة إسرائيلية إلى الشرع عبر وسيط أذربيجاني تؤكد تلك المخاوف، إضافة إلى جُملة من الشروط تتقاطع مع الشروط الأمريكية والغربية حيال سورية الجديدة.
إذاً الجولاني أمام معادلتين تركية وإسرائيلية، لكن المعادلة التركية تبقى عامل ضغط وتأثير على الجولاني، والأخير لا يستطيع تخطي هذه المعادلة، خاصة أن تركيا ضالعة وبالعمق في الحدث السوري، وتريد السيطرة على كامل الجغرافية السورية بل والتوغل داخل مؤسسات الدولة وفرض نفوذها وخططها، وضمن ذلك فإن أردوغان وجه رسالة إلى الجولاني مفادها إياك وتخطي تركيا أو أن تعمل على إرضاء الغرب، أو منع تحقيق الحلم العثماني في سورية.
ما سبق يُعد صراعاً دولياً على سورية وضمن مساراتها الجديدة، والجولاني ضمن المعادلتين التركية والإسرائيلية وضمناً الغربية، فإن بقاءه لن يطول، فهو غير قادر على تنفيذ المعادلة التركية، وبذات التوقيت لا يستطيع أو لا يريد ضبط عناصره ومنعهم من إرتكاب المجازر بحق الأقليات، وبالتالي فإن الجولاني وضمن الواقع السوري فإنه لا يملك أي سلطة، ولا يستطيع أن يُرضي الطرف التركي ولا حتى الإسرائيلي والغربي، والأهم أن الجولاني يسعى إلى تحويل دمشق إلى إمارة إسلامية، ولعل الأحداث الاخيرة في دمشق من هجوم المتطرفين على الملاهي في قلب العاصمةمشق، هي رسالة تحذير لمغتصب القصر أن تركيا مصرة على تطبيع البلاد بالطابع الإسلامي المزيف في سبيل بسط سطوتها المطلقة على سورية.
سورية الجولاني هي نموذج لا يمكن أن يقبل به الغرب ولن تقبل به إسرائيل أيضاً، ليكون بذلك الجولاني بين فكي كماشة تركي وإسرائيل غربي، ويستحيل عليه أن يرضي جميع الأطراف إلا بحالة واحدة وهي تقسيم سورية فعلياً أو حتى لو بشكل فيدرالي، بحيث يكون كل إقليم خاضع لنفوذ دولة من دول الصراع الدولي في سورية، وضمن ذلك فقد بدأ واضحاً أن الجولاني يسعى فقط لحكم سُنة سورية وتحييد باقي الأقليات في سورية، لكن يبقى التساؤل الأهم ضمن ذلك، هل سيقبل الغرب بهذا النموذج الذي يُهدد الإقليم كاملاً؟، أم أن ايام الجولاني باتت معدودة وربما لن يستطيع الصمود حتى نهاية عام 2025؟.
في المقابل الأخر، فإن تركيا هي أيضاً أمام خيارين فقط، إما أن ترفع يدها عن الجولاني فيسقط ويُنفذ المشروع الآخر، وبذلك تحافظ تركيا على نفسها من التقسيم أو ستُصر على مشروعها في سورية وعندها سيكون التقسيم حتماً هو مصير سورية وسيرتد أثره على تركيا مباشرة لأن تضم نفس المكونات التي تضمها سورية، واسرائيل حُكماً لن تسمح بدولة سنية سلفية على حدودها خاضعة لأنقرة، وبذلك فإن الخلاصة تذهب إلى أن الجولاني من الإستحالة أن يبقى في سورية، فبقاؤه يعني حتماً التقسيم أو رحيله والحفاظ على موحدة بحكم رئيس وحكومة وفق رغبة المجتمع الدولي، وقرار سيادي خاضع لأمريكا وروسيا واسرائيل.
النقطة الواضحة الوحيدة من كل ما سبق، أن الشعب السوري ضاق ذرعاً بممارسات الجولاني وعناصره، وطلب الحماية الدولية التي تصدر من الأقليات هي ترجمة لحجم المخاوف لدى الأقليات في سورية، وهذا ما يتطلب جهداً دولياً في حماية السوريين من الإرهاب والقتل والخطف والتصفية الممنهجة.
خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية