المغرب: الوضعية صعبة لكن العبودية أصعب.. وكيف الهبت فاطمة خير “التواصل الاجتماعي”

الدكتور طارق ليساوي
عنوان المقال توصلت إليه وأنا أستمع إلى مقتطف من تصريح لممثلة وبرلمانية عن حزب رئيس الحكومة السيد أخنوش، واستطاعت هذه الممثلة إحداث البوز الاعلامي بخرجتها الأخيرة ووقوفها المسرحي على خشبة السياسة، فقالت من ضمن تشخيصها وادائها السياسوي أنها فخورة بانتمائها للحزب وانتماء حزبها للتحالف الحكومي المتماسك والمنسجم، وفخورة بأن يكون رئيس حزبها يتحلى بالنزاهة والرزانة وهلم جرا من الصفات الحميدة، المهم أن الرجل “كامل الأوصاف”، إلى درجة أن الرجل شك في نفسه وأصابته حمرة الخجل مما سمع، واعتقد أنه يقول في نفسه” لقد نجحت في إعادة تربية المغاربة”، فرغم إجماعهم على كون الظروف الاجتماعية والاقتصادية للغالبية صعبة بل وكارثية لكنهم لا يجدون بديلا عن مدح جلاديهم وأحد رموز تضارب المصالح وزواج السلطة بالمال وفي هذا السياق أذكر كلمة العلامة ابن خلدون عندما قال : “المغلوب مولعٌ أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده”، فالغلبة اليوم لملاك الطاقة و أسياد الاستحواذ والاحتكار وأكابر الغاز وأباطرة صفقات تطهير الصرف الصحي وتحلية مياه البحر وتعليب الأوكسجين..
ولم يكن المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي ليحدثوا هذه الضجة على السيدة فاطمة خير لولا عشمهم السابق في هذا الوجه الفني الوديع، فغالبا ما يقول المغاربة في حديثهم الدارج: ” الزين كيحشم على زينه والخايب غي لهداه الله”، والواقع ان هذه السيدة وهبها الله قدرا من الجمال في شبابها ومنحها شيئا من البيان في مسارها الفني، وحري بها أن تشكر أنعم الله عليها بعيدا عن ألاعيب البرلمان والإتجار بمأسي الملايين من المغاربة الذين لا يكنون لهذه الحكومة وما قبلها وما قبلها، اية ذرة من الاحترام لأن غالبية ممثليها سواءا في المؤسسات الحكومية أو المحلية أو الجهوية، غارقون في الفساد إلى الأذقان ومتابعون من طرف محاكم المملكة بجرائم فساد مالي أو أخلاقي، وأخر المتابعين المسمى “بودريقة” الذي اختفى طويلا بين تركيا وألمانيا إلى أن دقت ساعة تسليمه للعدالة المغربية..
إن الظرفية صعبة هذه حقيقة لا جدال فيها، لكن الأصعب أن تجد من يجمل المسؤولين عنها ويزيد في نار فسادهم حطبا ووقودا.. كان حريا بمثل هذه الممثلة و بلغة المشارقة ” المُشخصة” أن تشكل صوتا مختلفا، وأن تصارح سيدها أولا في الحزب، وثانيا كل المسؤولين عن الأوضاع المقرفة والمقلقة، و أن تصارحهم بحقيقة تدمر الفئات الهشة من قصور البرامج الاجتماعية ومن انسداد أفاق الشباب والشيب ، وأن ترى في إفلاس صناديق الضمان الاجتماعي والتقاعد والمقاصة وغيرها من الصناديق ناقوس خطر، يستلزم من أمثالها ان يكون في مستوى المرأة و السيدة التي قامت في وجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالت له: اتق الله، فما هي قصة ذلك اللقاء وتلك النصيحة؟
فذات يوم خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المسجد وصاحبه الجارود العبدي، وبينما هما يسيران إذ ألتقيا بامرأة على الطريق، فسلم عليها فردت السلام، ثم قالت: رويدك يا عمر حتى اكلمك كلمات قليلة، قال لها: قولي، قالت: يا عمر، عهدي بك وأنت تسمى عميرًا في سوق عكاظ، تصارع الفتيان، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمرًا، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم انه من خاف الوعيد قرب منه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فبكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال الجارود: هيه، لقد أكثرت وأبكيت أمير المؤمنين، فقال عمر: أوما تعرف هذه؟ هذه خولة بنت حكيم امرأة أوس بن الصامت التي سمع الله قولها من فوق سمائه، فعمر والله أجدر أن يسمع لها..وخولة بنت حكيم هي المرأة التي نزل فيها قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا).
والواقع لا مجال للمقارنة بين النموذجين، فرق كبير الثرى و الثريا ، نفتقد لنماذج من طينة خولة بنت حكيم رضي الله عنها، التي لم تتردد في تقريع الفاروق و ما أدراك ما الفاروق!! لكن الممثلة التي عرفناها في دور معلمة “القسم 8 ” التي تعرضت لمضايقات و التحرش من تلميذها ، إختارت السير خلف جوقة المطبلين الذين يحزمون من الأن حقائبهم استعدادا لكل طارئ قادم، فولايتها البرلمانية تقترب من نهايتها ، وسيبقى تصريحها وصمة عار على جبنها أو جهلها أو طمعها في المزيد من “بزولة السلطة” كأن يتم ترقيتها لمنصب حكومي، فمن غير المستبعد أن تطمح إلى منصب وزاري فباب الإستوزار أصبح يلجه كل من هب ودب، بل يكفي ان تكون راقصا ماهرا في التجمعات الخطابية، و أن ترقص و تغني بأعلى صوتك “مهبول أنا” لكي تدخل ابواب الجهاز التنفيذي من أوسع الأبواب وفي أول تعديل حكومي..
ذهب زمان عندما كان الوزراء لا يلجون الحكومة حتى “يلج الجمل في سم الخياط “، فبالرغم من مأسي ومثالب سنوات الرصاص والقمع، إلا أن وزراء الحكومات المتعاقبة على المغرب منذ الاستقلال كان لهم بروفايل أكاديمي وحزبي ومهني مشهود به من طرف الخصوم قبل الموالين، وأساسا كان لهم اهتمام بالشأن السياسي، ولم يدخلوا للجهاز التنفيذي لسواد عيونهم أو شعبيتهم المزعومة على الشاشات كمؤثرين بلغة اليوم.. فعلى سبيل المثال، كانت السيدة ثريا جبران قامة فنية ذات اهتمامات اجتماعية وسياسية وحاملة لرسالة ثقافية ازعجت الدولة العميقة إبان سنوات الرصاص ونالت نصيبا من العصا وإعادة التربية ولم تطقطق رأسها رغم حلقهم شعرها.. وأكرمها القدر بأن تصبح وزيرة للثقافة عن جدارة واستحقاق في حكومة التناوب التوافقي بزعامة الراحل عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله..
وكمثال ثاني نذكر السيدة “نوال المتوكل” التي كانت بدورها وجها رياضيا على درجه كبيرة من الانتصارات الأولمبية والعالمية فضلا عن دراستها الأكاديمية الرصينة في جامعات مرموقة، فاستحقت أن تكون وزيرة للرياضة عن جدارة ولم نسمع منها أو من سابقتها ثريا جبران رحمها الله، هذا السيل من الانبطاح والتزلف وخذلان جمهور المتابعين والمحبين بلغه وسائل التواصل الاجتماعي.. كان حريا بمثل هذه السيدة ان تشكل صوتا مختلفا..
وواقعة الممثلة فاطمة خير يدفعني إلى طرح هذا السؤال : “لماذا يلجأ حزب الحمامة ومن يسير في فلكه إلى استقطاب والاستعانة بالمؤثرين والنكافة بلغة ابن كيران ؟ و للعلم فإن وصف النكافة لا يتضمن أي سب أو قذف ، وانما توصيف دقيق للأدوار والمهام التي تقوم بها النكافة أو المزينة، فدورها تزيين وتجميل وجه العروس حتى وان كان منعدم الجمال، والجواب على السؤال أعلاه يعود إلى حاجة الحكومة و أحزابها إلى مزينين و مجملين ، فحكومة الشعارات تدرك حقيقة قبحها البين وتشوه معالم وجهها السياسي المليء بالندوب والخدوش والثقوب والعيوب التي لا ينفع معها كل مساحيق كبريات شركات الجميل وهل يصلح العطار ما أفسده الظهر؟ وغدا سيتم حشد مزيد من الوفود الفنية والإعلامية والرياضية لكي تصطف خلف حكومة التحالف الثلاثي التي تطمع و تمني النفس بولاية ثانية وترأس حكومة المونديال، وتقاسم كعكة الديون التي أغرقت البلاد والعباد..
ما يجري لا علاقة له بالسياسة إنه استغباء جماعي منظم، وامتهان مقصود لذكاء وكرامة المواطن..اليوم بات واضحًا.. أن أحزاب حكومة الشعارات تشتغل في الظل، و يتم توزيع الأدوار بدقة، و صناعة المشهد، وتضليل الناس بخطابات مضللة و شخصيات طامعة ..
لكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بأن ما يحدث لا يمكن فصله عن إرادة شعبية مختلة، فلا يمكن أن نلغي مسؤولية الشعب المغربي و بالأحرى جمهور من الناخبين، الذين يتحملون النصيب الأكبر من المسؤولية في تدهور الأوضاع، وفي وضع من لا يستحق في موضع القرار في مقابل التضييق على الكفاءات، التي بإمكانها إحداث الفارق والاستهانة بأهل العلم والدراية قائلين لهم :” على من كتقرا زابورك يا داوود؟” وصدق الله العظيم عندما قال في محكم كتابه : (فاستخف قومه فأطاعوه).. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ..
كاتب وأستاذ جامعي من المغرب