علي أحمد محمد المقدشي: القبائل الصومالية: جذور النسب وخريطة التحالفات

علي أحمد محمد المقدشي
تُقسّم معظم المصادر التاريخية والاجتماعية الصومالية القبائل الكبرى إلى فرعين رئيسيين: بني سب وبني سمال، وهما – بحسب التقاليد النسبية المتوارثة – ابنا محمد [هيل] بن حنبل بن مهدي بن أحمد. ويعتمد هذا التصنيف على المخطوطات النسبية والروايات الشفوية المتداولة في مختلف أقاليم البلاد، ويُعدّ منطلقًا أساسيًا لفهم البنية القبلية والسياسية للصوماليين، إذ يكشف عن طبيعة التحالفات التي تشكّلت عبر الزمن، سواء كانت مبنية على النسب المباشر أو على تحالفات تاريخية راسخة.
تندرج تحت لواء بني سب عدة جماجم وعشائر، بعضها ينتسب إليهم نسبًا صريحًا، بينما التحقت أخرى بهم من خلال تحالفات طويلة الأمد.
ومن أبرز هذه الجماجم: دغل ومرفرلي، فضلًا عن عشائر أخرى استوطنت في المناطق التي شكّلت مراكز النفوذ التقليدية في جنوب وغرب الصومال.
وفي الجهة الأخرى، ينضوي تحت بني سمال أغلب القبائل الصومالية الكبرى الرعوية، سواء داخل الصومال أو في مناطق القرن الإفريقي وأماكن من جزيرة العرب.
ومن أبرز هذه القبائل: الهوية، والدارود، والدر، والكري. وتشكل هذه القبائل جزءًا من مجموعة تُقدّر بتسع جماجم رئيسية تعود إلى بني سمال نسبًا صريحًا غير قبيلة الدارود المتحالفة معهم منذ النشأة والتكوين.
ومن هنا قد يُطرح تساؤل وجيه: كيف يمكن إذن إدراج قبيلة “الدارود بن إسماعيل الحبرتي” ضمن قبائل بني سمال تاريخيًا واجتماعيًا؟
والجواب: يمكن ذلك استنادًا إلى عدة عوامل، أبرزها عاملان رئيسيان:
من باب قاعدة “ابن أخت القوم منهم” وهي قاعدة أصيلة في علم الأنساب، يُلحق بموجبها أبناء الأم بخؤولتهم، لا سيما إذا نشأت بينهم وبين أخوالهم تحالفات راسخة وطويلة الأمد.
وقد ورد في الحديث الذي أخرجه الطبراني عن عتبة بن غزوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقريش “هل فيكم من ليس منكم؟”
قالوا: لا، إلا ابن أختنا عتبة بن غزوان، فقال: “ابن أخت القوم منهم”.
وهذا يُفسّر اندماج بعض القبائل بحكم المصاهرة والتحالف ضمن كتل كبرى كـبني سمال.
ومن باب “الانتماء إلى الجذر المؤسس” في علم الاجتماع التاريخي، كثيرًا ما تُنسب الجماعات القبلية المتقاربة نسبيًا أو المتحالفة سياسيًا واجتماعيًا إلى الكتلة الأسبق تشكّلًا أو الأكثر تأثيرًا.
بناءً على ذلك، يُعدّ إدراج قبيلة الدارود ضمن قبائل بني سمال نتيجة طبيعية لعلاقات تاريخية متجذّرة، تشكّلت عبر قرون من التفاعل، حيث تداخلت روابط النسب بالمصاهرة، وتعزّزت بأواصر التقارب السياسي والاجتماعي.
ومع ذلك، من الضروري التنويه إلى أن هذا التقسيم الثنائي في كتب التاريخ لا يشمل جميع القبائل الصومالية، فهناك كيانات قبلية كثيرة أخرى لا تندرج ضمن أي من هذين الفرعين، مثل قبيلة جرير وين، الأوسع انتشارا على ضفاف نهري شبيلي وجوبا، متجاورة ومتداخلة اجتماعيا مع بقية القبائل الصومالية في تلك المناطق غير أن التقسيم التقليدي الثنائي للقبائل الصومالية أداة مفيدة لفهم الخارطة القبلية التاريخية، لكنه لا يمكن أن يعبر عن الصورة الكاملة دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخرى المؤثرة، كالمصاهرات، والتحالفات المتجددة، والتفاعلات الاجتماعية والسياسية التي شكلت الواقع القبلي الصومالي عبر القرون.
تنبيه مهم: لمن أراد التحقق من الروابط بين قبائل بني سب وبني سمال مع قبيلة الدارود، فعليه بمراجعة المخطوطات والمرويات المحلية لدى بني سب وبني سمال، ثم مقارنتها بما لدى قبيلة الدارود من المخطوطات المحلية كمخطوطات الشيخ علي المجيرتين وسلطان يوسف كينديد – لا المخطوطات اليمنية المنقطعة الصلة عن السياق الاجتماعي والتاريخي في القرن الإفريقي– ليكتشف الحقيقة المدهشة التي تؤكد العلاقات النسبية القريبة بين هذه الكتل الثلاث،
وفي هذا السياق، سأخصص الجزء الثاني من هذا المقال – بإذن الله – لدراسة خاصة حول العلاقات النسبية بين القبائل الصومالية، حيث سأقارن بين الأنساب المروية شفويًا والمخطوطات القديمة، مبرزًا من خلالها أهمية الروايات الشفوية ودور المخطوطات البدوية التقليدية، المعروفة محليًا باسم “فر غري”، المنتشرة بين العشائر، وذلك لتسليط الضوء على نقاط التلاقي والاختلاف داخل النسيج القبلي الصومالي، ضمن إطار علمي موثوق.
كاتب صومالي