التجويع الإسرائيلي بغزة ينهش الرضيع يوسف ويحوله لـ”هيكل عظمي”

التجويع الإسرائيلي بغزة ينهش الرضيع يوسف ويحوله لـ”هيكل عظمي”

غزة/ الأناضول
بحسرة وألم، تنظر الفلسطينية ناجية النجار إلى طفلها “يوسف” الذي لم يتجاوز شهره الرابع لكنه لا يزن أكثر من 1.5 كيلو جرام أي نحو ربع الوزن الطبيعي لمن هم في عمره وذلك جراء إصابته بسوء التغذية الناجمة عن التجويع الإسرائيلي المتعمد لفلسطينيي قطاع غزة.
تفاصيل عظام صدره الدقيقة تظهر كلما حاول يوسف البكاء، فيما تتحرك أطرافه الهزيلة بـبطء كأنها عاجزة عن حمل جسده الذي يعاني من نحول شديد.
ويجسد الطفل النجار حالة واحدة فقط من جريمة مركبة يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أطفال غزة، إذ حُرم أولا من حقه في التغذية الطبيعية بسبب تجويع والدته “المُرضعة” التي تعاني كغيرها من 2.4 مليون فلسطيني في القطاع من نقص حاد في الغذاء والمياه والمقومات الأساسية.
كما أصيب الرضيع ثانيا بسوء تغذية حاد أدى إلى تقيؤ متكرر وظهور مؤشرات لمضاعفات صحية أخرى، في ظل غياب الرعاية الصحية المناسبة بعدما تعرض النظام الصحي بغزة لتدمير ممنهج وفق ما أكدته تقارير حقوقية وأممية.
وعلى الرغم من حاجة “يوسف” الماسة إلى الحليب العلاجي والمكملات الغذائية فإن الإغلاق الإسرائيلي لمعابر القطاع والمتواصل منذ أكثر من شهرين منع دخول تلك المواد الحيوية لغزة ما يتسبب بمفاقمة وضعه الصحي.
كما يحرم الإغلاق الإسرائيلي التام للمعابر منذ مايو/ أيار 2024 الطفل النجار من فرصة السفر للعلاج في الخارج بعدما تدهورت حالته الصحية نتيجة سياسة التجويع والإغلاق المفروضة على القطاع.
وتكاد تكون مشاهد الأطفال داخل المستشفيات وهم يعانون من مضاعفات سوء التغذية شبه متكررة مع تواصل التجويع الإسرائيلي لهم في وقت سجلت فيه وزارة الصحة بغزة وفاة 57 طفلًا نتيجة سوء التغذية ومضاعفاتها الصحية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ولأكثر من مرة، حذر المكتب الحكومي وحركة “حماس” ومؤسسات حقوقية ومسؤولون أمميون من مخاطر المجاعة وسوء التغذية “الحاد” الذي وصل له فلسطينيو غزة خاصة الأطفال والكبار في السن بسبب منع إسرائيل دخول المساعدات الإغاثية والغذائية والطبية للقطاع.
ومطلع مارس/ آذار 2025، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين “حماس” وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، لكن إسرائيل تنصلت منه، واستأنفت الإبادة في 18 من الشهر نفسه.
ومنذ 2 مارس الماضي، أغلقت إسرائيل معابر القطاع أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية والبضائع، ما تسبب بتدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين وفق ما أكدته تقارير حكومية وحقوقية ودولية.
**”هيكل عظمي”
والدة الطفل يوسف “ناجية” تقول للأناضول، إن قطاع غزة يخلو تماما من أي نوع من الأغذية.
وأضافت، أن طفلها تحول بسبب سوء التغذية إلى “هيكل عظمي”.
وأوضحت أن يوسف وجراء إصابته بسوء التغذية بات يتقيأ كل ما يرضعه من حليب، مناشدة بتوفير الحليب العلاجي ومستلزمات النظافة والصحة للأطفال الذي يعتبرون من فئات المجتمع الأكثر تضررا من الإبادة الجماعية.
وذكرت أن يوسف كان يزن في وقت ولادته كيلو و200 جرام، ما يعني أن وزنه زاد خلال الشهور الأربعة 300 جراما فقط.
فبينما يحتاج النمو السليم لجسده وأعضائه الداخلية غذاء سليما وكميات دورية من الحليب الطبيعي أو الصناعي إن وجد، فإنه يحرم اليوم من ذلك بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد.
وأشارت والدة يوسف إلى أن الحليب العلاجي الذي يحتاجه يوسف غير متوفر في القطاع.
وطالبت بالضغط على إسرائيل لفتح المعابر وإدخال المواد الغذائية ومستلزمات الأطفال الغذائية والصحية.
كما لفتت إلى ضرورة تحويل يوسف للعلاج في الخارج، معربة عن تخوفاتها من حرمانه حقه في السفر بسبب إغلاق إسرائيل المتواصل لمعبر رفح البري إلا بما تسمح به من سفر حالات استثنائية.
**تجويع الأم بداية
بداية إصابة الأطفال الرضع بسوء التغذية يأتي من حالة تجويع أمهاتهن ضمن سياسة عامة تنتهجها إسرائيل ضد فلسطينيي القطاع.
فحرمان تلك الفئة من الغذاء السليم والصحي ينعكس سلبا على عشرات الآلاف من الأطفال الرضع الذين لا يجدون غذاء لهم إلا حليب أمهاتهم.
وتقول النجار في هذا الإطار: “لازم نتغذى كي نطعم أطفالنا، لكن للأسف لا يوجد بيض ولا طحين ولا مياه”.
وأشارت إلى أنه رغم ندرة توفر تلك المواد الأساسية اللازمة لحياتهن وحياة أطفالهن، إلا أن ما يتوفر منها تشهد أسعاره ارتفاعا كبيرا يصل إلى 5 أضعاف.
وفي 7 أبريل/ نيسان الماضي، قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، للأناضول، إن 90 بالمئة من النساء الحوامل والمرضعات في غزة يعانين من سوء تغذية حاد، وإن نقص المعدات الطبية يحول دون حصولهن على العلاج اللازم.
وأشارت هاريس إلى أن صحة الأمهات والأطفال في غزة شهدت تدهورًا حادًا منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وأعربت النجار عن حسرتها لما يحدث في قطاع غزة من مواصلة إسرائيل سياسة التجويع والتعطيش المتعمدة محذرة من أن “الأطفال بغزة يموتون بسبب قلة الغذاء”.
ودعت الدول العربية إلى الوقوف بجانب أطفال غزة الذين لا يجدون العلاج ولا الطعام، في وقت تواصل فيه إسرائيل استخدام الجوع كسلاح ضد المدنيين.
**مضاعفات صحية
بدوره، يسلط أخصائي الأطفال عاهد فروانة الضوء على المضاعفات الصحية الخطيرة التي تصيب الأطفال المصابين بسوء التغذية جراء التجويع الإسرائيلي.
وقال فروانة إن حالة النزوح والاكتظاظ التي تشهدها مراكز الإيواء تفاقم من نسبة تعرض الأطفال لـ”الالتهابات الشديدة بسبب سوء التغذية”، بما يؤثر على مناعة أجسادهم.
وذكر أن هؤلاء الأطفال يصابون أيضا بقصور في وظائف “الكلى والكبد” في ظل وضع صحي حرج يعاني منه القطاع ويحول دون تقديم الأدوية والعلاجات اللازم لهم بسبب إغلاق إسرائيل للمعابر ومنعها دخول المساعدات الطبية.
وأشار إلى أن الكثير من حالات سوء التغذية تم استخراج تحويلات طبية لهم للعلاج في الخارج، لكن إغلاق المعابر حال دون مغادرتهم وسط أوضاع صحية صعبة.
وناشد فروانة مؤسسات إنقاذ الطفل بتقديم يد العون والمساعدة للأطفال باعتبارهم الفئة التي وقع عليها “ظلم” كبير خلال الحرب.
وشدد على أن فتح المعابر للسماح للأطفال بالسفر للعلاج وإدخال المواد والمكملات الغذائية والأدوية ضرورة لتقديم يد العون والمساعدة لأطفال غزة.
والاثنين، قال مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة في قطاع غزة مروان الهمص، خلال مؤتمر صحفي، إن الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر منذ أكثر من شهرين فاقما الأوضاع الصحية بالقطاع.
وأوضح أن مراكز الرعاية الأولية أغلقت أبوابها نتيجة القصف أو لوجودها ضمن مناطق الإخلاء، ما حرم آلاف الأطفال والحوامل من الرعاية الطبية الأساسية.
وأكد على أن اعتماد الأطفال على وجبة واحدة غير مكتملة يوميًا سبب لكثير منهم الهزال وسوء التغذية.
ويعتمد فلسطينيو غزة بشكل كامل على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية المتواصلة إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 171 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.