يقين حمد جنود: نصوصٌ كالندى على ورود اللغة وحروفها امتداد عطر القصيدة “قراءة في ديوان” نساءٌ يرتِّبن فوضى النهار “للشاعر نمر سعدي”

يقين حمد جنود
هذا الشاعر يكتبُ بعين الماء وحرارةِ الرمل، في ديوانه “نساءٌ يرتِّبن فوضى النهار” يرسم الشاعر ملامح أنثى تتجاوز الجسد إلى الرمز، ويغزل من تفاصيلها عالماً لغوياً مكتظاً بالمعاني، نابضاً بالعاطفة والدهشة.
في نصوصه، لا يكتفي بوصف المرأة، بل يعيد خلقها ككائن يتداخل فيه الماء بالنار، والسكون بالتمرد، والحنين بالوعي العميق بذاتها ومحيطها.
يمتاز شعره بقدرة مدهشة على توظيف الصورة الشعرية الحسية والعميقة في آن، حيث تصبح الكلمات ليست أدوات وصف فحسب، بل أدوات انفعال وتحوُّل، كما نرى في قوله:
“لها جسدٌ كالرمالِ التي لا تجيدُ الرثاءَ
ولا تقتفي مطرَ الليلِ في النايِ
أو أثرَ العطرِ في الثوبِ أو في بقايا العرقْ”
هذا التوتر بين الوجود والغياب، بين الرغبةِ والتجلِّي، يضع المتلقي أمام شعرٍ يتجاوز البوح التقليدي، ويخلق أنثى تشبه الوطن، الغابة، البحر، والغيم. هي ليست فقط موضوعًا شعريًا، بل كينونة تسكن القصيدة وتحركها.
وما يميِّز هذا الديوان أيضاً هو لغة شاعرية مرهفة، مشبعة بالمجاز والرمز، تستدعي التأمل وتمنح القارئ متعةً فكرية وجمالية في آن. نصوصه مكتوبة بعين فنان ومخيَّلة فيلسوف، وبقلبٍ يعرف كيف يجعل من كل نبضة شعر سطراً يستحق التأمل.
حبقُ الديوان لا يخبو له نور، ولا أعرف بأيِّ المقاطع أتغزَّل..
أأرسل وردة ًمن حدائقه؟ وكل ما قرأته من حروف تغدق بالمعنى هي أشبه بورود متفتحِّة في جسد قلق الريح..
“بعينيَّ أُبصرُ ما لا يرى شاعرٌ في امرأةْ
وشمتْ خصرها بالسمندلِ أو صدرها بالوشقْ
لها جسدٌ كالرمالِ التي لا تجيدُ الرثاءَ
ولا تقتفي مطرَ الليلِ في النايِ
أو أثرَ العطرِ في الثوبِ أو في بقايا العرقْ
أُعانقُ صلصالها كالغريبِ
سرابٌ يضيءُ دمائي ويطفئُ ماءَ الحبقْ
أُنادي على نجمةٍ..
أتحسَّسُ ما سيرقِّصُ سيِّدةً أربعينيَّةً في شتاءِ القرى..
ويفتِّحُ من صمتها غابةً لطيورِ تسقسقُ في أسفلِ النهرِ
أو شهوةً للأرقْ”
ها هو شاعرٌ مرهفٌ آخر رتَّب للنساء فوضى النهار في أعماقهن.. وعزف على كمنجات أنوثتهن الجريحة “وهل لأُعلَّمَ جيتارةً كيفَ تنبضُ في جسدٍ أُنثويٍّ على الرملِ تلزمني لغةٌ كالمياهِ وينقصني سمكٌ في الأصابعِ يعرفُ كيفَ يقلِّمُ أزهارَ هذي الحياةِ؟”
شاعرة وناقدة من سوريا