الأردن وحرية الصحافة… عندما تصبح الكلمة تحت المراقبة

الأردن وحرية الصحافة… عندما تصبح الكلمة تحت المراقبة

 

 

د. معن علي المقابلة

يجد الأردنيون أنفسهم في اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي صادف الثالث من أيار الحالي، في مواجهة تساؤلات مؤرقة: أين نقف اليوم من حرية الكلمة؟ ولماذا تتراجع البلاد في مؤشرات حرية التعبير عاماً بعد عام؟
تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” لهذا العام لم يكن مفاجئًا، لكنه كان موجعًا. المرتبة 147 من أصل 180 دولة لا تليق بدولة طالما تغنت بمساحات الحرية الإعلامية واستقرارها السياسي مقارنة بجيرانها. تراجع الأردن 15 نقطة خلال عام واحد فقط، وهذا ليس تفصيلاً يمكن تجاهله، بل مؤشر خطير على واقع حرية التعبير في البلاد.
لم يكن هذا التراجع نتيجة ظرف سياسي طارئ أو اضطراب أمني، بل جاء – كما تشير المنظمة – نتيجة مباشرة لتشريعات مقيدة، وعلى رأسها قانون الجرائم الإلكترونية المعدل في 2023. هذا القانون، الذي وُلد من رحم الخوف من الفوضى الرقمية، تحوّل إلى أداة تُشهر في وجه الكلمة الحرة، وتمنح السلطات قدرة شبه مطلقة على ملاحقة النشطاء والصحفيين بتهم فضفاضة مثل “نشر أخبار كاذبة” أو “التحريض على الفتنة”.
كثيرون دفعوا الثمن. الصحفي أحمد حسن الزعبي، المعروف بكتاباته النقدية، حُكم عليه بالسجن عامًا كاملًا، قضى سبعة أشهر منه خلف القضبان قبل أن يُفرج عنه لإتمام محكوميته في خدمة مجتمعية. وقبله الصحفية هبة أبو طه، التي كُبّلت بالكلمة لأنها كتبت ما لا يُراد له أن يُقال.
حرية الصحافة ليست ترفًا ديمقراطيًا، بل هي معيار رئيسي لقياس مدى احترام الدولة لحقوق الإنسان. وعندما تفرض القوانين رقابة صارمة، فإن الإعلام يتحوّل إلى صدى لما يُسمح له فقط أن يقوله. يخشى الصحفي من الاقتراب من “الخطوط الحمراء” – وهي خطوط ليست مكتوبة في الدستور، بل مفروضة عرفًا أو تلميحًا – فيمارس على نفسه رقابة ذاتية أشد قسوة من أي رقابة رسمية.
المفارقة أن الأردن لا يعاني من فوضى إعلامية، بل من صمتٍ متزايد. هناك مساحات واسعة من القضايا لا تُناقش، وملفات لا يُقترب منها، ومظلات حماية أصبحت حواجز خوف.
لقد آن الأوان لمراجعة جادة لهذا الواقع. الأردن لا يحتاج إلى قوانين تُخيف الصحفي، بل إلى ضمانات تحميه. ولا يحتاج إلى تصنيف عالمي مرتفع بقدر ما يحتاج إلى مناخ داخلي يشعر فيه الصحفي أن قلمه لا يُهدد حريته أو رزقه.
إذا كنا نحتفي بيوم حرية الصحافة، فلنكن صادقين مع أنفسنا: لا نحتاج إلى شعارات، بل إلى إرادة سياسية تفتح المجال للحوار والنقد، وتحترم حق المواطن في المعرفة، والصحفي في التعبير.
ففي نهاية المطاف، لا تنهض الأوطان بالخوف… بل بالحرية.
باحث وناشط سياسي
[email protected]