ضياء اسكندر: الصراع المتجدد بين الهند وباكستان: جذور تاريخية وتحديات معاصرة

ضياء اسكندر: الصراع المتجدد بين الهند وباكستان: جذور تاريخية وتحديات معاصرة

 

ضياء اسكندر

يُعدّ النزاع بين الهند وباكستان من أكثر النزاعات تعقيداً في العالم، لما يحمله من خلفيات تاريخية ودينية وجغرافية، وما يختزنه من عداوات تراكمت منذ لحظة ولادة الدولتين في أجواء من الدم والنزوح والمجازر. ومؤخراً، عاد الصراع إلى واجهة الأخبار العالمية بعد حادثة مروّعة قُتل فيها 26 جندياً هندياً في إقليم كشمير، ما أشعل فتيل التوتر من جديد بين البلدين الجارين..

من الاستقلال إلى الانقسام: كيف بدأت القصة؟
استقلت الهند عن بريطانيا في الخامس عشر من آب/أغسطس عام 1947، بعد عقود طويلة من النضال السلمي وغير السلمي ضد الاستعمار البريطاني، قاده الزعماء الهنود بمختلف طوائفهم، لكن لحظة الانفصال هذه لم تكن لحظة فرح موحدة، بل كانت بداية مأساة إنسانية كبرى تمثلت في تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين: الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الغالبية المسلمة.
وقد تشكّلت باكستان كدولة ذات جناحين جغرافيين منفصلين، هما: باكستان الغربية (وهي باكستان الحالية)، وباكستان الشرقية (التي أصبحت لاحقاً بنغلادش عام 1971). وكان السبب الرئيس لهذا التقسيم هو تزايد التوترات الطائفية بين الهندوس والمسلمين، وعجز قادة الاستقلال عن التوصل إلى صيغة حكم تضمن الحقوق المتساوية للطوائف كافة، داخل دولة موحدة.

 جذر الخلاف: كشمير.. الجرح المفتوح
تُعدّ كشمير الخيط الأكثر توتراً في نسيج العلاقات بين البلدين. فعند التقسيم، كان من المفترض أن تنضم كل ولاية إلى الدولة التي تتناسب مع أغلبيتها الدينية، لكن ولاية جامو وكشمير التي كانت تحكمها سلالة هندوسية، كانت ذات أغلبية مسلمة. ومع ذلك، قرر حاكمها المهراجا الانضمام إلى الهند، ما أثار غضب المسلمين في الولاية، وفتح الباب لتدخّل باكستان، ما أدى إلى اندلاع أول حرب بين البلدين عام 1947.

 سلسلة الحروب بين الجارتين النوويتين
منذ لحظة التقسيم وحتى اليوم، خاضت الهند وباكستان أربع حروب رئيسة:

حرب 1947–1948: اندلعت بعد دخول مقاتلين قبليين من باكستان إلى كشمير، وانتهت بإعلان وقف إطلاق نار رعته الأمم المتحدة، وبقيت كشمير مقسمة فعلياً بين البلدين.

حرب 1965: اشتعلت مجدداً بسبب كشمير، وشهدت قتالاً واسع النطاق انتهى باتفاقية سلام برعاية الاتحاد السوفييتي.

حرب 1971: اندلعت على خلفية دعم الهند لاستقلال باكستان الشرقية، وأسفرت عن إنشاء دولة بنغلادش.

حرب كارغيل 1999: مواجهة محدودة في جبال كارغيل في كشمير، اندلعت بعد تسلل قوات باكستانية إلى مواقع هندية، وانتهت بضغوط دولية أجبرت باكستان على الانسحاب.

إلى جانب هذه الحروب، هناك توتر دائم على الحدود، واتهامات متبادلة برعاية الإرهاب والتجسس، وسباق تسلّح نووي يُنذر بكارثة في حال انفلات الأمور.

 لماذا تجدد الصراع مؤخراً؟
تصاعد التوتر بين الهند وباكستان في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد أن أقدمت الهند في أغسطس/آب 2019 على إلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير (المادة 370 من الدستور الهندي)، ما أثار استياء باكستان التي رأت في ذلك خرقاً للاتفاقات الدولية ومحاولة لفرض أمر واقع بالقوة. تبع ذلك تصعيد في التصريحات النارية من الجانبين، وتحشيدات عسكرية على الحدود، واشتباكات متكررة في إقليم كشمير.
في 22 نيسان/ أبريل 2025، شهد إقليم جامو وكشمير الخاضع للإدارة الهندية هجوماً دموياً استهدف مجموعة من السياح بالقرب من بلدة باهالجام، أسفر عن مقتل 25 هندياً ومواطن نيبالي، وإصابة أكثر من 17 آخرين. وقد أعلنت جماعة تُعرف باسم “جبهة المقاومة” مسؤوليتها عن الهجوم، مبررة ذلك بمعارضتها لسياسات نيودلهي في الإقليم، خاصة ما يتعلق بمنح الإقامة لغير السكان المحليين.
هذا الهجوم أعاد إلى الواجهة التوتر المتأصل بين الهند وباكستان، إذ سارعت نيودلهي إلى تحميل الجماعة المهاجمة صلة بجهات في باكستان، وبدأت بحشد عسكري وأغلقت قنوات التواصل الدبلوماسي، بينما نفت إسلام آباد ضلوعها، متهمة الهند باستغلال الحدث لتأجيج الصراع وتصدير أزماتها الداخلية.
رداً على هذا الهجوم، شنت الهند في 6 أيار/ مايو 2025 عملية عسكرية وأطلقت تسمية “السيندور” على العملية العسكرية التي تشنها ضد باكستان. وتشير الكلمة إلى النساء اللواتي فقدن أزواجهن في الهجوم على السياح الهندوس في باهالغام الشهر الماضي.
وسيندور هي الكلمة الهندية التي تعني مسحوق اللون الأحمر التقليدي الذي تضعه الهندوسيات المتزوجات على جباههن، رمزاً للحماية والالتزام في الزواج. وتتوقف النساء عن وضعه عند الترمل.
وقد استهدفت خلال العملية تسعة مواقع في باكستان والمناطق الخاضعة لإدارتها في كشمير، بزعم أنها تستخدم كمعسكرات لتدريب الإرهابيين. ما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص وإصابة آخرين، بينهم مدنيون، وأدت إلى تصعيد التوترات بين الهند وباكستان، مع تبادل الاتهامات والردود العسكرية، بما في ذلك تقارير عن إسقاط طائرات مقاتلة.

هل من أمل في الحل؟
الحل النظري بسيط، لكن تطبيقه معقّد. فهناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة:
الاستفتاء في كشمير: وهو ما تنادي به باكستان وتعارضه الهند بشدة.
تقسيم دائم للمنطقة على أسس حالية: وهو ما قد يكرّس الانقسام، دون إنهاء التوتر.
تحويل كشمير إلى منطقة منزوعة السلاح وذات حكم ذاتي: وهو حل وسط قد يحظى بقبول دولي، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية من الطرفين.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها بعض الدول للتقريب بين الجارتين النوويتين، فإن انعدام الثقة، وصعود القومية المتشددة، والخلافات العميقة في الرؤى حول الهوية والتاريخ، لا تزال تقف حائلاً دون سلام دائم.

كاتب سوري