راجي سلطان الزهيري: القمة العربية في بغداد واجب دبلوماسيّ وبيانات مكررة!

راجي سلطان الزهيري
أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن القمة العربية التي ستُعقد في العاصمة العراقية بغداد، وسط ملفات ملتهبة وأزمات غير مسبوقة تعصف بالمنطقة من أقصاها إلى أقصاها. ورغم أهمية الحدث من حيث التوقيت والمكان، فإن الشارع العربي لا يُبدي أي تفاؤل حقيقي بما ستُفضي إليه هذه القمة التي يتوقع كثيرون أن تكون نسخة مكررة من القمم السابقة: اجتماعات روتينية، كلمات مطوّلة، بيانات ختامية وشجب لا يسمن ولا يغني من جوع.
ما يلفت الانتباه هذه المرة أن أغلب القادة العرب – ملوكاً ورؤساء – اعتذروا عن الحضور وأرسلوا مندوبين بدلاً عنهم في رسالة غير مباشرة تعكس حجم الفجوة بين الشعوب العربية وأنظمتها من جهة وبين الأنظمة نفسها من جهة أخرى. فالقمم أصبحت أشبه بالواجب الدبلوماسي الروتيني دون أمل حقيقي في قرارات مصيرية أو مواقف جريئة.
ترقب وخذلان مُسبق
يتساءل المواطن العربي البسيط الذي ينام على وقع قصف غزة ويصحو على أخبار غارات في سوريا واليمن ولبنان: ما الجدوى من هذه القمم، أين قراراتكم من مآسي الشعوب، نتنياهو الذي غيّر ملامح الشرق الأوسط وقلب موازين اللعبة السياسية يتجول ويقصف ويقتل ولا أحد يوقفه لا من غزة إلى لبنان، مروراً بسوريا واليمن، بل إن بعض الدول تهادنه وأخرى تتودد إليه في السرّ والعلن.
أما ملف خور عبد الله فقد فجّر هو الآخر موجة من الغضب الشعبي بعدما أبدت أطراف عربية تضامناً مع الكويت دون التحقق من تفاصيل الاتفاق ولا من تداعياته على العراق. فكيف تجتمع قمة عربية في بغداد، والعراق ذاته يشعر بالخيانة من أشقائه؟
قمة في زمن النزيف
الشارع العربي لم يعد يثق في البيانات الختامية والتي يُعتقد أنها كُتبت قبل انعقاد القمة وربما لا تختلف في صيغتها عن بيانات سابقة تُدين وتستنكر وتطالب بـ”ضبط النفس”. أما واقع الحال فهو أن الأفعال هي ما ينتظرها الناس لا المؤتمرات الصحفية ولا الصور الجماعية ولا المجاملات الدبلوماسية.
بل إن ملايين الدولارات التي صُرفت للتحضيرات اللوجستية والضيافة والتنظيم، كان الأجدر بها أن تُوظف في مشاريع خدمية حقيقية داخل العراق، الذي يعاني من بنية تحتية متهالكة وأزمات صحية وتعليمية مزمنة، وبطالة مستشرية بين شبابه.
ثنائية القمم والألم
لقد تحوّلت القمم العربية إلى مشاهد متكررة لا تحمل جديدًا. يلتقي الزعماء – أو من يمثلهم – ويتبادلون الكلمات الدافئة بينما النار تشتعل في كل بيت عربي. لم تعد فلسطين محور الاهتمام ولم تعد القضايا الكبرى تُناقش بجدية، بل تُدار بأسلوب “شراء الوقت” و”كسب المواقف”.
القمة القادمة في بغداد مهما حاول المنظمون أن يضفوا عليها أهمية تاريخية أو يروّجوا لها على أنها “قمة التحديات” فإنها بالنسبة لكثيرين مجرد فصل جديد في مسرحية طويلة عنوانها: “لا جديد تحت شمس العرب”.
الشارع العربي لا يريد قممًا بل يريد أفعالًا؛ يريد من يوقف القتل في غزة ويدعم لبنان وينهي الحروب في اليمن ويحفظ سيادة العراق، ويمنع تفتيت السودان ويقف بوجه التطبيع المجاني ويعيد للناس ثقتهم بأن في هذا العالم العربي من يسمع صوتهم ويعبّر عنهم.
فهل تفعلها قمة بغداد؟
الجواب، للأسف، معروف سلفاً.